الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذهب ابن تيمية وابن عثيمين فيمن يصلي أحيانا ويترك أحيانا

السؤال

هل تارك صلاة الفجر المحافظ على بقية الصلوات كالساعة؟ لا يترك واحدة يكفر على مذهب ابن عثيمين وابن تيمية؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن ترك صلاة واحدة عمدا تكاسلا حتى يخرج وقتها من عظائم الذنوب وموبقاتها، ولكنه ليس كفرا مخرجا من الملة، وشيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ لم يكن يحكم بكفر تارك الصلاة الذي يترك أحيانا ويصلي أحيانا، بل يراه من جملة أهل الوعيد الذين هم تحت المشيئة ـ إن شاء الله عذبهم وإن شاء غفر لهم ـ فقد قال رحمه الله تعالى في الفتاوى الكبرى: فَأَمَّا مَنْ كَانَ مُصِرًّا عَلَى تَرْكِهَا لَا يُصَلِّي قَطُّ، وَيَمُوتُ عَلَى هَذَا الْإِصْرَارِ وَالتَّرْكِ، فَهَذَا لَا يَكُونُ مُسْلِمًا، لَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يُصَلُّونَ تَارَةً، وَيَتْرُكُونَهَا تَارَةً، فَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا يُحَافِظُونَ عَلَيْهَا، وَهَؤُلَاءِ تَحْتَ الْوَعِيدِ، وَهُمْ الَّذِينَ جَاءَ فِيهِمْ الْحَدِيثُ الَّذِي فِي السُّنَنِ حَدِيثُ عُبَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مَنْ حَافَظَ عَلَيْهِنَّ كَانَ لَهُ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهِنَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ، إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ. اهـ.
وفيها أيضا: أنه سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ يُصَلِّي وَقْتًا، وَيَتْرُكُ الصَّلَاةَ كَثِيرًا، أَوْ لَا يُصَلِّي، هَلْ يُصَلَّى عَلَيْهِ؟ أَجَابَ: مِثْلُ هَذَا مَا زَالَ الْمُسْلِمُونَ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ، بَلَى الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ النِّفَاقَ يُصَلِّي الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ، وَيُغَسَّلُونَ، وَتَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ، كَمَا كَانَ الْمُنَافِقُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ... اهـ.

وكذا الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ قد أبان في غير موطن من كتبه عن اختياره فيمن يصلي أحيانا ويترك أحيانا ورجح أنه لا يكفر الكفر المخرج من الملة, فقد سئل ـ كما في مجموع فتاواه ـ عن الإنسان الذي يصلي أحياناً ويترك الصلاة أحياناً أخرى، فهل يكفر؟ فأجاب بقوله: الذي يظهر لي أنه لا يكفر إلا بالترك المطلق بحيث لا يصلي أبداً، وأما من يصلي أحياناً فإنه لا يكفر، لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ـ ولم يقل ترك صلاة، بل قال: ترك الصلاة ـ وهذا يقتضي أن يكون الترك المطلق، وكذلك قال: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها ـ أي الصلاة ـ فقد كفر ـ وبناء على هذا نقول: إن الذي يصلي أحياناً ليس بكافر. اهـ.

وقال أيضا: والذي يظهر لي أنه لا يكفر إلا إذا ترك الصلاة تركاً مطلقاً بمعنى أنه كان لا يصلي، ولم يعرف عنه أنه صلى وهو مستمر على ترك الصلاة، فأما إذا كان أحياناً يصلي وأحياناً لا يصلي مع إقراره بالفرضية، فلا أستطيع القول بكفره لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ـ فمن كان يصلي أحياناً لم يصدق عليه أنه ترك الصلاة، والحديث الثاني: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر ـ ولم يقل: من ترك صلاة فقد كفر، ولم يقل: بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك صلاة، بل قال: ترك الصلاة ـ فظاهره أنه لا يكفر إلا إذا كان تركها تركاً عاماً مطلقاً، وأما إذا كان يترك أحياناً ويصلي أحياناً، فهو فاسق ومرتكب أمراً عظيماً، وجان على نفسه جناية كبيرة، وليس بكافر ما دام يقر بفرضيتها وأنه عاص بتركه ما تركه من الصلوات. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني