الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ترك التداوي بين الأفضلية وعدمها

السؤال

شخص مصاب باضطراب نفسي، اسمه الاضطراب الوجداني ثنائي القطب، وهو ببساطة يتكون من نوبتين من المرض متناقضتين تماماً: النوبة الأولى: هي نوبة الهوس أو ما تحت الهوس ـ حسب شدة المرض ـ وتتميز هذه النوبة بالشعور بالنشاط والرغبة بإنفاق المال والرغبة في الجنس وتطاير الأفكار وكثرة التخطيط والمشاريع وارتفاع المزاج والابتهاج العام ـ أي أن الإنسان يكون فيها سعيداً ـ وإذا كانت نوبة هوس كامل وليس تحت الهوس فإن الآثار تكون أكثر حدة وخطورة وتصل إلى الشعور بجنون العظمة وكثرة إنفاق المال تصل إلى مستويات تعرض حياة المصاب لأزمة مالية لعدم وعيه بكثرة إنفاقه وخصوصاً فيما لا يلزم إلى غير ذلك من سلوكيات طائشة ومتهورة، والنوبة الثانية هي نوبة الاكتئاب وتشابه بل وتتطابق مع مرض الاكتئاب تماما تتميز هذه النوبة بالشعور بالخمول والكسل وعدم الرغبة في أداء أي عمل بل وربما ترك الوظيفة والنظرة للحياة تكون سوداء والأمل في الحياة يكون معدوم ولا يستطيع المرء الإبداع أو حتى الإنتاج، ويفقد الشعور بطعم الحياة وملذاتها، وغالباً ما يكون عدائياً يسهل استفزازه ويرغب في اعتزال الناس تماماً ولا يكون اجتماعياً أبداً، وفي هذه النوبة قد يفقد الإنسان أصدقاءه أو أقاربه أو حتى زوجته ووالديه وإخوانه أو تتوتر معهم العلاقة إلى أقصى حد، إذ إنه لا يكون أبداً شخصاً لطيفاً أو مرحاً بل متشائماً غير منتج لا يرى مستقبلاً أبداً، بشكل عام يكون الإنسان حزيناً في الاكتئاب، ومشكلة هذا الاضطراب أنه في الغالبية الساحقة، بل يكاد يكون في جميع المصابين يكون مزمناً وتعاود نوباته للظهور من جديد بعد سنوات أو شهور أو أسابيع أو أقل من ذلك، وعلاج هذا المرض يطول وهو تعايش مع المرض، إذ ليس للمرض علاج جذري، وفي الغالب يقوم المصاب بأخذ العلاج بشكل متواصل مدى الحياة، والسؤال هو: لو كان المصاب يفضل الصبر على العلاج لينال الثواب كما في الحديث الوارد في صحيح البخاري عن المرأة السوداء وهو: قال لي ابنُ عباسٍ: أَلاَ أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بلى، قال: هذه المرأةُ السَّوْداءُ، أتَتِ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقالتْ: إني أُصْرَعُ، وإني أتَكَشَّفُ، فادْعُ اللهَ لي، قال: إن شِئتِ صبرتِ ولك الجنَّةُ، وإن شِئتِ دعَوتُ اللهَ أن يُعافيَكِ، فقالتْ : أصبِرُ، فقالتْ: إني أتَكَشَّفُ، فادْعُ اللهَ أنْ لا أتَكَشَّفَ، فدَعا لها ـ فبماذا تنصحون هذا المصاب الذي يفضل عدم العلاج لنيل ثواب الصبر وهو يرى أنه سينال ـ إن شاء الله تعالى ـ الثواب الوارد في الحديث الذي حسنه الألباني: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء ـ ولكن أيضاُ لا يخفى عليكم ما يمكن أن يؤدي له هذا المرض من مفسدة تؤثر على عمله ووظيفته وإنتاجه في الحياة، بل وأسرته وأهله وأصدقائه وكافة من حوله من الناس.
وجزاكم الله تعالى خيراُ.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فجامع القول في مسألة التداوي بصفة عامة: أن من قوي توكله وحسن ظنه بالله ووطن نفسه على الرضا بأقدار الله تعالى ـ أيا كانت ـ فالأفضل في حقه الصبر على الألم وعدم التداوي، ما لم يبلغ به حد الضرر والهلاك، وأما من ضعفت نفسه وخشي عليها الجزع أو التسخط، فالأفضل أن يأخذ بالأيسر، ولا يكلف نفسه ما يغلبها، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 131487.
ونرى ـ والله أعلم ـ أن الأفضل في الحال المسئول عنها هنا: أن يسعى المريض للعلاج ولا يُقصّر، لأن الضرر لا يقتصر عليه وحده، وإنما يتعداه إلى أسرته وأهله وأصدقائه وكافة من حوله من الناس، كما ورد في السؤال.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني