الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب العلماء في إخراج القيمة في الكفارة بدلا من الطعام، ومحل جوازها

السؤال

شيخنا الفاضل بارك الله فيكم، ونفع بكم الأمة.
شيخنا: لدي صديق أفطر أياما من رمضان بعذر، فقد كان سائق شاحنة كبيرة، يسافر بها بين البلدان، ومشقة السفر تجعله يفطر بعض الأيام فكان في كل شهر من رمضان تمر عليه أيام لم يصمها. ولم يمنعه أي عذر عن القضاء، بل تكاسل حتى قدم عليه رمضان، ورمضان بعده. فهو يريد أن يكفر عن عمله هذا، ويسأل: ما الحكم الشرعي فيه وكيف يقضي تلك الأيام؟ وإذا كان عليه الإطعام مع الصيام فهل يجوز له إخراج قيمة الطعام نقودا أو لا؟
وَبَارك الله فيكم وسدد الله خطاكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالواجب على صديقك أن يقضي جميع الأيام التي أفطرها؛ لأن ذمته ما زالت مشغولة بها, والأيام التي أخر قضاءها من غير عذر حتى دخل عليه رمضان آخر يجب عليه مع قضائها أن يطعم مسكينا عن كل يوم، ويجوز أن يطعم قبل القضاء أو بعده على ما فصلناه في الفتوى رقم: 140049 عن كيفية الإطعام في فدية الصيام ومقداره, وأما إخراج القيمة في الكفارة بدلا من الطعام فقد أجازه بعض الفقهاء إذا كان في ذلك مصلحة للمسكين.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وَأَمَّا إخْرَاجُ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَالْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ. وَأَحْمَد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ مَنَعَ الْقِيمَةَ فِي مَوَاضِعَ، وَجَوَّزَهَا فِي مَوَاضِعَ. فَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ أَقَرَّ النَّصَّ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَالْأَظْهَرُ فِي هَذَا: أَنَّ إخْرَاجَ الْقِيمَةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ مَمْنُوعٌ مِنْهُ؛ وَلِهَذَا قَدَّرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُبْرَانَ بِشَاتَيْنِ، أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَلَمْ يَعْدِلْ إلَى الْقِيمَةِ؛ وَلِأَنَّهُ مَتَى جَوَّزَ إخْرَاجَ الْقِيمَةِ مُطْلَقًا فَقَدْ يَعْدِلُ الْمَالِكُ إلَى أَنْوَاعٍ رَدِيئَةٍ، وَقَدْ يَقَعُ فِي التَّقْوِيمِ ضَرَرٌ؛ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ مَبْنَاهَا عَلَى الْمُوَاسَاةِ، وَهَذَا مُعْتَبَرٌ فِي قَدْرِ الْمَالِ وَجِنْسِهِ. وَأَمَّا إخْرَاجُ الْقِيمَةِ لِلْحَاجَةِ أَوْ الْمَصْلَحَةِ، أَوْ الْعَدْلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. اهــ.

وراجع الفتوى رقم: 180653, والفتوى رقم: 175193.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني