الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سر مجئ الواو في المتعاطفات وليس أو في دعاء الاستخارة

السؤال

تبادر إلى ذهني نص الدعاء في صلاة الاستخارة، ووجدت نفسي محتارا في الشطر الثاني من الدعاء الذي فيه: وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي، وعاقبة أمري فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به. فاستخدام الواو للعطف يفيد الجمع بين الأشياء، مما يعني أن الداعي كأنه يسأل الله عز وجل أن يصرف الأمر المستخار فيه فقط إن كان فيه شر في جميع الأحوال المذكورة (في الدين والمعاش، وعاقبة الأمر).
فسؤالي: لماذا لم يأت الدعاء بحرف العطف "أو" الذي يفيد التخيير بين الأمور، كقول: وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني أو معاشي أو عاقبة أمري ... إلخ. فيفيد الدعاء في هذه الحالة أن يصرف الله عز وجل الأمر إن كان فيه شر في أي من الأمور المذكورة (في الدين أو المعاش أو عاقبة الأمر)؟
أرجو أن يكون سؤالي واضحا.
جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما تبادر إلى ذهنك قد ذكره بعض أهل العلم، وذهب إلى أن الواو في هذا الموضع بمعنى أو، ولكن ابن علان في كتابه الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية قد رد هذا الكلام بتفصيل جيد بيّن فيه بقاء الواو على معناه الأصلي، حيث قال رحمه الله في كتابه: قال بعض المحققين: ينبغي التفطن لدقيقة هي أن الواو في المتعاطفات التي بعد خير على بابها، وفي التي بعد شرّ بمعنى أو؛ لأن المطلوب يسره لا بد أن يكون كل من أحواله المذكورة من الدين وما بعد خيراً، والمطلوب صرفه يكفي فيه أن يكون بعض أحواله المذكورة شرّاً، وفي إبقاء الواو على حالها فيه إبهام؛ لأنه لا يطلب صرفه إلا إن كانت جميع أحواله لا بعضها شرّاً، وليس مراداً كما هو واضح. اهـ.

وتعقبه بعض المتأخرين بقوله: لا شك أن العاقل يطلب حصول ما فيه الخيرية من جميع الوجوه المذكورة، وصرف ما فيه الشرارة من جميعها أيضا، فطلب حصول الأول وصرف الثاني صريح عبارة الحديث، وبقي ما فيه الخيرية من وجه، والشرارة من وجه، فالظاهر أن الحكم للغالب منهما، فإن استهلك الشر بالنسبة لما فيه من الخير والنفع فواضح أن الفعل يطلب حصوله، وكذلك إن استهلك الخير بالنسبة لما فيه من الشر فالظاهر أنه يطلب صرفه، وكذلك إذا تعارض الخير والشر فالاعتناء بجانب الدفع أكثر فهو مطلوب الصرف، ولعله أشار إلى هذه الصورة إجمالا بقوله: واقدر لي الخير حيث كان، ويؤيد هذا الاحتمال قوله: ثم أرضني به، وذلك أنه لما كان في المطلوب شرارة من وجه كان مظنة ألا تطمئن إليه النفس وترضى به، فظهر أن قوله: (والمطلوب صرفه يكفي فيه أن يكون بعضه شرا) في حيز المنع، على ما ذكرنا، فالواو على معناها في الموضعين وليست بمعنى أو. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني