الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مناقشة لبعض أسباب عزوف الشباب عن الزواج

السؤال

أعاني من مشكلة، وهي أنني عندما أفكر في الزواج, في الحقيقة لا أخفي رغبتي فيه وعندما أفكر في عواقبه أتردد أحيانا، بل يصل بي الأمر غالبا إلى فكرة ترك الزواج والعيش في هذه الحياة أعزب, وهناك أمور عدة تجعلني أسير نحو طريق العزوبية لعدة أسباب سأحاول أن ألخص أهمها: نرى العلماء يحثون على الزواج معللين ذلك ببعض الأسباب، ومنها أنها تؤدي إلى تآلف القلوب بين الأهالي وبالأخص المتخاصمين، والحقيقة التي أراها أن هذا الكلام يخالف الواقع, فأنا أعيش في مجتمع تكثر فيه المشاكل العائلية حيث نرى أهل الزوجين في خصومات كثيرة تؤدي في بعض الحالات إلى الطلاق, وإن لم تؤد إلى الطلاق نراها تحدث مشاكل تمتد على المدى البعيد حيث يهجر الآباء أبناءهم بسبب مشاكل بين عائلتي الزوج والزوجة، ويشترطون عليهم أن يطلقوا أزواجهم إذا أرادوا أن يتصالحوا مع أبنائهم, فما هو ذنب أبناء الزوجين من الصغار جراء ما يحدث من كل ذلك؟ أين هو الترابط الاجتماعي والأسري الذي يتكلم عنه العلماء؟ وهذا الأمر ليس في مجتمعي فقط، بل في كل المجتمعات الإسلامية, إلى غيرها من المشاكل, وكذلك أذكر وصية الرسول صلى الله عليه وسلم بالزواج بذات الدين والخلق, ولكن المشكلة أن أكثر المجتمع الذي أعيش فيه مجتمع تفشت فيه المعاصي, وأكثر نسائه لا يلتزمن بالحجاب الشرعي ناهيك عن عامل الخلق والدين, ومثل تلك النساء لا يصلحن للزواج بهن، لأنني أريد زوجة أأمنها على أبنائي في تربيتهم وفي أخلاقهم وفي تمسكهم بدين الله، ولذلك أصبح البحث عن المرأة ذات الدين والخلق أمرا صعبا, وحتى إن وجدت هذه المرأة فإن هذا يسبب مشكلة لي مع أهلي, فهم يرون أن هؤلاء المتدينين متشددون في الدين بسبب جهلهم بالدين, ودائما أنصحهم وأبين لهم أن هؤلاء ليسوا كذلك وأنهم على منهاج النبوة وأستدل لهم بأحاديث وآيات ولكن لا فائدة من نصحي لهم, كلام يدخل من الأذن ويخرج من الأذن الأخرى، بل وصل بهم الحال إلى إنهم يعتقدون أنني أصاحب أناسا متشددين في الدين، لذلك فإنني أخشى على نفسي في حال تزوجت بامرأة متدينة، فهذا قد يؤدي إلى نفور أهلي مني فهم لا زالوا يحاربونني لأنني أواظب على الصلاة في المسجد ولأنني لا أستمع إلى الموسيقى، ولأنني لا أصافح النساء، ولأنني أصلي النوافل وأصوم صيام التطوع أحيانا, لقد ضاق صدري منهم، وهناك أمر آخر هام أيضا يعيق طريقي نحو الزواج, وهو أمر يتعلق بأبي, لقد ضقت ذرعا به فهو إنسان مقصر جدا, لا يؤدي واجب النفقة علينا, اللهم إلا في فيما يتعلق بالمأكل, أما غير ذلك من المصاريف الأخرى من ملبس وغيره من الاحتياجات الضرورية مثل الدراسة وغيرها فهو لا ينفق علينا إطلاقا, لدرجة أنني أنا وعائلتي نتعرض للإحراج ونضطر للتسلف من جدنا لكي نجد ما نصرفه على أنفسنا, وقد كبرنا أنا وإخوتي في السن ومعظمنا وصل سنا يفترض أن يكون متزوجا، لكن والدي ـ هداني الله وإياه ـ لم يحرك ساكنا حول هذا الموضوع, لا يريد أن يعيننا مع أن والدي ليس بفقير، بل حاله ميسور ولله الحمد, مع ذلك لا يريد أن يصرف علينا أي نفقة فيما يخص احتياجاتنا, وقد وصل الأمر بأمي وبعض إخوتي أنهم كرهوه وأظن أن أمي أيضا ندمت على الزواج به, حتى إن إخوتي صارحوها وقالوا لها: كيف رضيت بالزواج به؟ وأمي كلما تتذكر حال والدي تبدأ في البكاء, وأنا كذلك أحترق من الداخل وإخوتي كذلك ووالله أقول هذا الكلام دون مبالغة, فعلاقتي بأبي بدأت في التدهور، وعاطفتي تجاهه بدأت تتضاءل، وأخشى أن أصل إلى مرحلة بعض إخوتي, وكأن والدي لم يتزوج بأمي إلا لكي يقضي شهوته لا أكثر، أما غير ذلك فهو لا يؤدي أي شيء لا من حيث النفقة ولا من حيث المسؤولية, مجرد رجل يذهب في الصباح إلى العمل ويعود في المساء حاملا معه بعض المأكل فقط ولا شيء غير ذلك، وهذا الأمر جعلني أيضا أيأس من أمر الزواج, فإذا كان والدي لا يريد أن يزوجني فمن الذي يعينني على ذلك, وحتما لن أرضى بأي شخص غير والدي أن يعينني على نفقة الزواج لأنني أستحيي أن أطلب المساعدة من غيري، وأمر آخر أيضا جعلني أتردد في أمر الزواج وهو قبح شكلي, فقد كان المجتمع كثيرا يلمزني ويعيرني بقبح وجهي عندما كنت صغيرا، ولا زالوا إلى اليوم ينظرون إلي هكذا, فراودني الشك هل تقبل أي فتاة بالزواج مني بسبب قبح وجهي؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإننا نقول لك أولا إن كل ما ذكرته من ذرائع ليس مسوغا للعزوف عن الزواج وبيان ذلك على النحو التالي:

1ـ ما ذكرته من أن كثيرا من التزاوج يكون سببا في تنازع العائلات وقطع الأرحام، ليس صحيحا على الإطلاق، بل إن الغالب ـ بحمد الله ـ خلافه، وما يحصل من ذلك راجع لعدم الالتزام بالتوجيهات الشرعية في أمور عديدة، ومنها أمور الزواج واختيار كل من الطرفين للآخر.

2ـ ما ذكرته من انتشار التبرج في المجتمع وعدم الاستقامة والتجاوز لحدود الله تعالى، لا يعني فساد المجتمع كله فمهما كثر الخبث فالخير باق بفضل الله في الأمة، ولن تعدم امرأة صالحة بإذن الله.

3ـ ما تشعر به من نقص في جمال شكلك لا ينبغي أن يمنعك من الإقدام على الزواج، فقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم جليبيبا ـ رضي الله عنه ـ وكان دميم الخلقة، وقد ذكرنا قصته في الفتوى رقم: 6145، فراجعها.

واعلم أن المهم والمعتبر عند ذوي العقول والبصائر هو جمال المخبر وليس جمال المنظر فقط.

4ـ الزواج في الأصل مندوب إليه شرعاً، فلا ينبغي العزوف عنه، قال العيني: فإن النكاح سنة الأنبياء والمرسلين، وفيه تحصيل نصف الدين، وقد تواترت الأخبار والآثار في توعد من رغب عنه وتحريض من رغب فيه.

وقال ابن قدامة: النكاح من سنن المرسلين وهو أفضل من التخلي منه لنفل العبادة.

كما أنّ الشرع رغب في الزواج لحكم كثيرة ومقاصد عديدة منها التماس الذرية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: النكاح من سنتي، فمن لم يعمل بسنتي فليس مني، وتزوجوا، فإني مكاثر بكم الأمم، ومن كان ذا طول فلينكح، ومن لم يجد فعليه بالصيام، فإن الصوم له وجاء. رواه ابن ماجة.

فالعزوف عن الزواج إعراض عن التماس الذرية التي تنفع صاحبها في الدنيا والآخرة، ومخالفة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الفعلية والقولية والتقريرية، فالذي ننصحك به أن تبادر بالزواج عند القدرة عليه، وبخصوص علاقتك بوالدك وإنفاقه عليك، فاعلم أنّ بعض العلماء يوجب على الأب الموسر تزويج ابنه الفقير المحتاج للزواج، قال ابن قدامة رحمه الله: قال أصحابنا: وعلى الأب إعفاف ابنه إذا كانت عليه نفقته وكان محتاجا إلى إعفافه، وهو قول بعض أصحاب الشافعي..

وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن الابن البالغ لا تجب نفقته على أبيه، إلا أن يكون عاجزاً كالمريض والمجنون، وذهب الحنابلة إلى وجوب نفقة الابن على أبيه ما دام الابن لا يجد ما ينفق به على نفسه ولو كان صحيحاً قوياً، قال ابن قدامة: ولا يشترط في وجوب نفقة الوالدين والمولودين نقص الخلقة ولا نقص الأحكام في ظاهر المذهب.

وسبق أن بينا أن نفقات الدراسة الجامعية لا تدخل في النفقة الواجبة على الأب، وراجع الفتوى رقم: 59707.
وننصحك بالتواصل مع قسم الاستشارات بموقعنا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني