الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم تكفير تارك الصلاة تأولا أو جهلا

السؤال

ما الفرق بين المتأول في كفر تارك الصلاة، والجاهل بكفر تارك الصلاة؟ وهل من ظن أن تارك الصلاة مسلم، كتارك سائر الأعمال دون دليل شرعي يكون متأولًا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن أهل العلم قد اختلفوا في حكم تارك الصلاة تهاونًا بها، وقد بينا ذلك بالتفصيل في الفتوى رقم: 130853 .

وإن كان المراد بالسؤال هو حكم الاعتقاد بعدم كفر تارك الصلاة فيقال: إن هذه المسألة شأنها شأن مسائل العلم، فمن قال فيها قولًا متأولًا باجتهاد، أو تقليد سائغ: فإنه معذور إن تبين أنه أخطأ، وكذلك من اعتقد قولًا في هذه المسألة جهلًا منه فإنه يعذر؛ لأن هذه المسألة من المسائل الخفية التي يعذر فيها بالجهل، وراجع الفتويين: 138799 19084 .

وأما إن كان السؤال عن تارك الصلاة، وهو معتقد - بتأويل، أو جهل -أن تاركها لا يكفر، هل ينفعه اعتقاده هذا إذا تبين في الآخرة أن تارك الصلاة كافر، فيقال: يرى بعض العلماء أنه لا يكفر بذلك، فقد سئل ابن عثيمين: هل يعذر الجاهل بما يترتب على المخالفة؟ كمن يجهل أن ترك الصلاة كفر؟
فأجاب: الجاهل بما يترتب على المخالفة غير معذور، إذا كان عالمًا بأن فعله مخالف للشرع، كما تقدم دليله، وبناء على ذلك: فإن تارك الصلاة لا يخفى عليه أنه واقع في المخالفة، إذا كان ناشئًا بين المسلمين، فيكون كافرًا، وإن جهل أن الترك كفر، نعم، إذا كان ناشئًا في بلاد لا يرون كفر تارك الصلاة، وكان هذا الرأي هو الرأي المشهور السائد بينهم، فإنه لا يكفر لتقليده لأهل العلم في بلده، كما لا يأثم بفعل محرم يرى علماء بلده أنه غير محرم؛ لأن فرض العامي التقليد لقوله تعالى: "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ". اهـ.

ولشيخ الإسلام ابن تيمية كلام قد يفهم منه تكفير من ارتكب أمرًا كفريًا يعلم حرمته، ولا يعلم أنه كفر، فقد قال: قال تعالى: {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب} فاعترفوا، واعتذروا؛ ولهذا قيل: {لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين} فدل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفرًا، بل ظنوا أن ذلك ليس بكفر، فبين أن الاستهزاء بالله، وآياته، ورسوله، كفر، يكفر به صاحبه بعد إيمانه، فدل على أنه كان عندهم إيمان ضعيف، ففعلوا هذا المحرم الذي عرفوا أنه محرم، ولكن لم يظنوه كفرًا، وكان كفرًا كفروا به، فإنهم لم يعتقدوا جوازه .اهـ.
وانظر الفتوى رقم: 233179.

ثم إنه يظهر من النظر في أسئلتك - أيها الأخ - أنك مبتلى بالوسوسة في شأن الكفر، فننصحك بالإعراض عن الوسواس، وعدم الالتفات إليه، وسؤال الله العافية منه، ونوصيك بالانشغال بالعلم النافع، فإنه يدفع عن العبد الوساوس، جاء في جامعه بيان العلم لابن عبد البر: قال عبد الله بن وهب صاحب مالك: وكان أول أمري في العبادة قبل طلب العلم، فولع بي الشيطان في ذكر عيسى ابن مريم كيف خلقه الله عز وجل؟ ونحو هذا، فشكوت ذلك إلى شيخ، فقال لي: ابن وهب: قلت: نعم، قال: اطلب العلم، فكان سبب طلبي للعلم .اهـ. فلما تعلم ذهبت شبهاته ووساوسه، وصار من أوعية العلم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني