الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بيان ثبوت زيادة لفظ: إني لأجد برد لسانه في يدي

السؤال

هل يثبت لفظ: "إني لأجد برد لسانه في يدي" فقد ضعفه الشيخ الأرنؤوط في تحقيقه للمسند بعلة الإرسال؛ إذ لم يسمع ابن عبد الله بن مسعود من أبيه؟ أعلم أن الحديث مخرج في الصحيح، ولكنني أسأل عن هذا اللفظ فقط -بارك الله فيكم -.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالحديث مخرج في الصحيحين - كما أشرت - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليه وسَلم قَالَ: إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ؛ لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلاَةَ، فَأَمْكَنَنِي اللهُ مِنْهُ، فَدَعَتُّهُ، وَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى جَنْبِ سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ؛ حَتَّى تُصْبِحُوا، فَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ أَجْمَعُونَ، قَالَ: فَذَكَرْتُ دَعْوَةَ أَخِي سُلَيْمَانَ: "رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي" قَالَ: فَرَدَّهُ اللهُ خَاسِئًا.

والشيخ الأرنؤوط، ومساعدوه في التحقيق إنما ضعفوا هذا اللفظ بهذا الإسناد، فقالوا: إسناده ضعيف لانقطاعه، أبو عبيدة - وهو ابن عبد الله بن مسعود - لم يسمع من أبيه، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين. وأورده الهيثمي في المجمع، وقال: رواه أحمد، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه، وبقية رجاله رجال الصحيح.

ولكن الحديث رواه النسائي في الكبرى من طريق يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ حُصَينٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي، فَأَتَاهُ الشَّيْطَانُ فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ فَخَنَقَهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ لِسَانِهِ عَلَى يَدِي...»

ومن طريق مُحَمَّد بْن عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اعْتَرَضَ لِي الشَّيْطَانُ فِي مُصَلَّايَ، فَأَخَذْتُ بِحَلْقِهِ فَخَنَقْتُهُ، حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ لِسَانِهِ عَلَى كَفَّيَّ...

وقد رواه ابن حبان من نفس الطريقين، وقال الشيخ حسين سليم أسد - حفظه الله - في تحقيقه لابن حبان عن الإسناد الأول: إسناده قوي، محمد بن أبان: هو ابن عمران الواسطي: صدوق من رجال البخاري، وقد توبع، ومن فوقه من رجال الصحيح.

وأخرجه النسائي في التفسير - كما في التحفة - من طريق يحيى بن آدم، عن أبي بكر بن عياش، بهذا الإسناد، ويشهد له حديث عائشة الذي قبله - وهو حديث الصحيحين المذكور في أول الفتوى -.

وقال عن الإسناد الثاني: إسناده حسن من أجل محمد بن عمرو، وباقي رجاله ثقات على شرطهما، وأخرجه النسائي في "الكبرى" - كما في "التحفة" 11/16 - عن إسحاق بن إبراهيم، بهذا الإسناد.

وقال الألباني في تحقيق ابن حبان: صحيح.

بل حتى رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه - التي ضعفها الشيخ الأرنؤوط - حفظه الله - من أهل العلم من يحتج بها؛ قال ابن رجب في شرح علل الترمذي: قال ابن المديني - في حديث يرويه أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه - : هو منقطع ، وهو حديث ثبت.

قال يعقوب بن شيبة: إنما استجاز أن يدخلوا حديث أبي عبيدة عن أبيه في المسند - يعني في الحديث المتصل ـ لمعرفة أبي عبيدة بحديث أبيه وصحتها، وأنه لم يأت فيها بحديث منكر .

وقال الدارقطني: أبو عبيدة أعلم بحديث أبيه من خشف بن مالك ونظرائه .

وقال ابن رجب في شرح البخاري: وأبو عبيدة، لم يسمع من أبيه، لكن رواياته عنه صحيحة.

وبالجملة: فالزيادة صحيحة - إن شاء الله -.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني