الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إشهار النكاح يستحب ولا يجب

السؤال

حيث إنني قرأت ذلك في فتاويكم. فكيف تقولون: إن إعلان الزواج مستحب وليس واجبا، أو شرطا، وأنه لا جناح على الرجل في أن يخفي زواجه عن زوجته؟ فكيف إذا كان إخفاء الزواج عن الزوجة الأولى، وعدم إعلان الزواج يسبب كرها، وبغضا بين النساء، وبين الأسر في المجتمعات. فكيف يرضى الإسلام بذلك الكره إذا كان الإسلام حثنا على التحابب بيننا، وإبعاد الكره عن قلوبنا؟ وإذا كان في إخفاء زواجه عن زوجته، أو عن الناس قطع للأرحام التي هي من الكبائر. فكيف تبيحون أنتم الطريق الذي يؤدي للكبائر؟ وكيف لا توجبون شيئاً قاله الرسول صلى الله عليه وسلم بفعل أمر حيث إنه قال: (أعلنوا النكاح)؟ وكيف إذا كنت قد سمعت أن عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- رأى ليلاً رجلا يقف مع امرأة، فسأله عنها. فقال له الرجل: إنها زوجتي. فقال له: لا تقف معها، حيث إن الناس لا يعلمون أنها زوجتك. فهل يخشى عمر على مشاعر الناس الأغراب ولا يخشى على مشاعر الناس القريبين؟ وإذا خشي عمر على الرجل من اشتباه الناس به في أنه يقف مع من لا تحل له. فهل لا يخشى عمر من اشتباه زوجته فيه، فيدخل الشيطان إلى عقلها فيوسوس لها بشيء لا تعرف عنه، حيث لم يخبرها زوجها؟ لقد قلتم إن من حق الزوجة على زوجها ألا يضر بها. فإذا كان ذلك ليس فيه ضرر لها. فما العلة من إخفائه عنها؟ وقلتم إنه إذا لم يعدل الرجل بين زوجاته. فلزوجته أن تطلب الطلاق. فكيف تعرف إذا كان يعدل بينها وبين غيرها إذا كانت أصلاً لا تعرف أنه يوجد غيرها أم لا يوجد؟ وكيف تقرون بأن الرجل عليه أن يعدل بين زوجاته، وأنتم في نفس الوقت تفتحون أمامه بابا لعدم العدل؟ فإذا أقررنا بأن إخبار الزوجة بزواج زوجها عليها ليس من حقها، أو من صور العدل. فكيف يعطي لكل واحدة حقها في يومها، إذا كانت التي لا تعرف ترفض أن يتركها زوجها، وتطلب منه أن يجلس ويبيت معها، على أساس أنه ليس لديه حقوق لأخرى، ولا بيت غير بيتها؟
لقد رفضت السيدة فاطمة-رضي الله عنها- زواج علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- عليها، وأيدها في ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم. فمعنى تأييد الرسول لها أن رفضها ذلك هو من حقها، ويترتب عليه أن من حقها رفض ذلك أو قبوله، فكذلك من حقها أن تعلم الشيء أولا كي تقبل به أو ترفضه؟
وإذا كنتم قد أقررتم أنه لم يأت لكم في السنة شيء عن إذا كان الرسول يستأذن زوجاته قبل زواجه أم لا؟ ولكنكم تعلمون أن زوجات الرسول كلهن يعرفن بعضا. فإن كان الرسول لا يستأذنهن؛ حيث إن زواجه هو بتكليف من الله، فهو بالتأكيد لا يخفي عليهن زواجه بدليل معرفتهن لبعض؟ وإذا كان الرسول يستأذن إحداهما إذا أراد أن يذهب للأخرى. فهل لا يستأذن الرجل زوجته قبل أن يتزوج عليها، فتعلم زوجته بأن عليه حقا لله في زوجته الجديدة لا بد أن يعطيه.
أليس كل ما ذكرته هو سبب كاف لاشتراط الرجل والمرأة إعلان زواجهما، وأن يخبر الرجل زوجته بأنه سوف يتزوج عليها؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإشهار الزواج مستحب غير واجب، عند الجمهور.

قال ابن قدامة: فإن عقده بولي، وشاهدين فأسروه، أو تواصوا بكتمانه، كره ذلك، وصح النكاح. وبه يقول أبو حنيفة، والشافعي، وابن المنذر.

ولا يظهر أنّ في إخفاء الرجل زواجه عن زوجته الأولى، سبباً في قطيعة الرحم، بل ربما يقال إن هذا الإخفاء يمنع قطيعة الرحم.

وعلى أية حال، فالأصل أنّ الشرع لم يوجب على الرجل أن يستأذن زوجته إذا أراد أن يتزوج عليها، لكن يجوز للمرأة أن تشترط على زوجها في عقد النكاح ألا يتزوج عليها، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 59904
وأما عن سبب رفض النبي صلى الله عليه وسلم زواج علي -رضي الله عنه- على فاطمة رضي الله عنها، فراجعي الفتوى رقم: 118425

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني