الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لم أكن أعلم أن عليّ إذا أدركت الإمام في الركوع أن أكبر تكبيرتين، فهل تجب إعادة الصلوات؟

السؤال

لم أكن أعرف أن عليّ إذا أدركت الإمام في الركوع أو السجود أن أكبر تكبيرتين: تكبيرة الإحرام، وتكبيرة الركوع، أو السجود، فهل عليّ أن أعيد هذه الصلوات؟ علمًا بأنني قد لا أحصي عددها.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهنا تفصيل لا بد من بيانه: فإن من أدرك الإمام راكعًا، يجب عليه أن يكبر للإحرام قائمًا، ثم يهوي راكعًا، وهل يلزمه التكبير للركوع أو لا؟ في هذا قولان، والمنقول عن الصحابة أن تكبيرة الإحرام تجزئه، فله أن يهوي للركوع بلا تكبير.

قال في المبدع: ومن أدرك ركوع المأمومين أجزأته تَكْبِيرَةٌ وَاحِدَةٌ) وَهِيَ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ، وَتَسْقُطُ تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ فِعْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ؛ وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ عِبَادَتَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فِي مَحَلٍّ، فَأَجْزَأَ الرُّكْنُ عَنِ الْوَاجِبِ؛ كَطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَالْوَدَاعِ، قِيلَ لِلْقَاضِي: لَوْ كَانَتْ تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ وَاجِبَةً، لَمْ تَسْقُطْ؛ فَأَجَابَ: بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ أَوْجَبَ الْقِرَاءَةَ، وَأَسْقَطَهَا إِذَا أَدْرَكَهُ رَاكِعًا، وَعَنْهُ: يَجِبُ مَعَهَا تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ. انتهى.

وأما من أدرك الإمام ساجدًا فإنه يكبر للإحرام، وهو قائم، ثم يهوي للسجود، ولا يكبر في هذه الحال عند كثير من أهل العلم؛ لأنه ليس محل انتقال، فيخر ساجدا من غير تكبير.

قال الشيرازي في المهذب: وَإِنْ أَدْرَكَهُ سَاجِدًا كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ، ثُمَّ يَسْجُدُ مِنْ غَيْرِ تَكْبِيرٍ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: يُكَبِّرُ كَمَا يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ مَحِلَّ التَّكْبِيرِ مِنْ السُّجُودِ، وَيُخَالِفُ مَا إذَا أَدْرَكَهُ رَاكِعًا؛ فَإِنَّ هَذَا مَوْضِعُ رُكُوعِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُجْزِئُهُ عَنْ فَرْضِهِ فصار كالمنفرد. انتهى.

وقال في المبدع: إِذَا أَدْرَكَهُ فِي غَيْرِ رُكُوعٍ، سُنَّ دُخُولُهُ مَعَهُ نَدْبًا، لِلْخَبَرِ، وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا، وَيَنْحَطُّ مَعَهُ عَنْ قِيَامٍ بِلَا تَكْبِيرٍ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ لَهُ بِهِ، وَقَدْ فَاتَهُ مَحَلُّ التَّكْبِيرِ. انتهى.

فإذا علمت ما مر، فإن كنت فيما مضى تكبر للإحرام، وأنت قائم، ثم تهوي للركوع أو السجود بغير تكبير، فلا شيء عليك، وصلاتك صحيحة، لكن كان المستحب أن تكبر للركوع خروجًا من الخلاف.

وأما إن كنت تكبر للسجود أو للركوع، ولا تكبر للإحرام: فإنك - والحال هذه - تركت ركنًا من أركان الصلاة، وهو تكبيرة الإحرام، فلا تصح صلاتك، وكذا إن كنت تكبر بنية الإحرام، ولكن لا تأتي بالتكبيرة كاملة وأنت قائم، فلا تصح صلاتك فرضًا؛ لأن من شرط صحتها أن تأتي بجميع تكبيرة الإحرام من قيام.

فإن كنت قد ارتكبت ما تبطل به صلاتك: فيجب عليك إعادتها عند الجمهور، وفي المسألة خلاف انظره موضحًا في الفتوى رقم: 125226.

وإن لم تعلم عدد تلك الصلوات، فإنك تقضي ما تتيقن به براءة ذمتك؛ ولبيان كيفية القضاء انظر الفتوى رقم: 70806.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني