الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل من أعذار ترك الجماعة غسل التنظف، أو ظن عدم إدراكها، أو عدم التجهز لها؟

السؤال

في بعض الحالات، لا يتسنى لي الذهاب إلى المسجد للصلاة في الجماعة، ولا أدري إن كان أعذاري تبيح لي ترك الجماعة وهذه الأعذار كأن أكون في الحمام، أو أن أكون عائدًا في الحافلة – دون مسافة السفر - وعند النزول منها أسمع الآذان، فأقول في نفسي: إنه لن يكفيني الوقت للوضوء، وحضور الجماعة، أو أن أكون في النقل الجماعي - دون مسافة السفر - ويصعب عليّ النزول والصلاة جماعة، والتأخر في العودة إلى البيت، أو ألا أجهز نفسي قبل الأذان، ويؤذن وأنا في البيت، وأعرف أنني لو توضأت وذهبت إلى المسجد فستفوتني الجماعة؛ لأنني مصاب بمرض، أستطيع معه المشي، ولكنني أتعب غالب الوقت، وعند العودة إلى البيت من مسافة لا أعتبر فيها مسافرًا، أجمع الظهر والعصر، وأنام.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فصلاة الجماعة من العبادات الشريفة الفاضلة، فلا ينبغي التهاون بها، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 129629.

وقد بينا في الفتويين رقم: 191365، ورقم: 150043، أن جمهور من يوجب الجماعة, لا يُوجبها في المسجد.

فإن وجدت جماعة في البيت، أو غيره، جاز لك عند الجمهور الصلاة معهم، وإن كان الأولى أن تُصلي في المسجد، وهذا منطبق على جميع أسئلتك.

وأما إذا علمت أنك لا تجد جماعة، لزمك جماعة المسجد في الأصل، وسنتعرض للأعذار التي ذكرتها بعد، ومدى تأثيرها في إسقاط الجماعة، ومع هذا فالحرمان من الصلاة مع المسلمين خسارة عظيمة لمن قاس الأمور بمنظار الشرع، وأسئلتك تُوحي برغبة في أن تجد عُذرًا للتخلف عن الجماعة في المسجد، وما كان هذا هدي السلف، قال الحسن: والله لا يجعل الله عبدًا أسرع إليه كعبد أبطأ عنه. وعُرِضَ لِرَبِيعٍ الْفَالِجُ، فَكَانَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا يَزِيدَ، لَوْ جَلَسْتَ، فَإِنَّ لَكَ رُخْصَةً، فَقَالَ: إِنِّي أَسْمَعُ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، فَإِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فَلْيُجِبْ، وَلَوْ حَبْوًا.

ولم يذكر العلماء في أعذار ترك الجماعة غسل التنظف، ولا هو في معنى الأعذار المنصوص عليها، فيمكنك أن تُؤخره إلى ما بعد الصلاة، أو تُعجله، ولا تُضيع الجماعة بسببه، إلا إذا كان بك عرق كثير، له رائحة تؤذي المصلين، جاء في حاشية ابن قاسم: قال في الفروع: ويتوجه مثله كل من به رائحة كريهة، ويكره حضوره مسجدًا أو جماعه مطلقًا، وحكاه النووي عن العلماء، لما فيه من الإيذاء، وإن أمكنه إزالة الرائحة بمعالجة، وغسل، فلا عذر له.

وأما قولك أنك بعد الأذان إذا توضأت فلن تدرك الجماعة: فينبغي أن تحضر نفسك بوقت كاف لحضور الجماعة، وأن تحسن الظن بالله أنك إن أخذت بالأسباب أدركت الجماعة، فإن فاتتك مرة، فتذكر ما رواه أحمد، وأبو داود، وصححه الألباني، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ رَاحَ فَوَجَدَ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا، أَعْطَاهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ مِثْلَ أَجْرِ مَنْ صَلاَّهَا وَحَضَرَهَا، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَجْرِهِمْ شَيْئًا.

إلا إذا كان مرضك المشار إليه يضعف مشيك لدرجة عدم إدراك الجماعة، ولا حتى جماعة ثانية، فهنا لا يلزمك الذهاب، وقد بينا حكم النزول من المواصلات لصلاة الجماعة في الفتوى رقم: 227959.

وأما مرضك الذي إن مشيت تتعب معه غالب الوقت: فقد ذكرنا في الفتوى رقم: 142417، من أعذار ترك الجماعة خوف حدوث مرض، فلو كان المشي إلى المسجد يُؤدي إلى تعبك غالب الوقت سقط وجوب الجماعة في المسجد عنك.

وأما الجمع في هذه الحال ـ أعني حال المرض ـ فقد بينا جوازه في الفتوى رقم: 8154، إذا شق على المريض تأدية كل صلاة في وقتها.

كما أن جمع الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء جائز للحرج، والمشقة عند بعض أهل العلم، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 142323.

ونسأل الله لك العافية، وأن يجعلنا وإياك ممن قلبه معلق بالمساجد.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني