الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم زواج المرأة المطلقة بعد وضع حملها بشهر

السؤال

رجل طلق امرأته وهي حامل، وتزوجت بعد أن وضعت طفلها بشهر، فهل هذا الزواج صحيح أم لا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذا الزواج صحيح عند جماهير الفقهاء، وإن لم تطهر المرأة من دم نفاسها، وبيان ذلك أن طلاق الحامل صحيح عند جماهير الفقهاء؛ لما رواه مسلم في صحيحه عَنِ ابْنِ عُمَرَـ رضي الله عنهما ـ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا، أَوْ حَامِلًا. ولأن تحريم الطلاق لتأخر العدة، أما الحامل فتعتد فور طلاقها، جاء في الموسوعة الفقهية: يصح طلاق الحامل رجعيًا، وبائنًا، باتفاق الفقهاء.

والصحيح أن هذا القول هو مذهب جماهير الفقهاء، لا الكافة، فقد ذكر ابن المنذر في كتابه الجليل: (الإشراف على مذاهب العلماء) في هذا المسألة أقوالًا أخرى للفقهاء، والخلاف في تسمية هذا الطلاق، لا يؤثر في القول بصحته.

فقد قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: وَإِنْ كَانَ قَدْ تَبَيَّنَ حَمْلُهَا, وَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا: فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا، وَهَلْ يُسَمَّى هَذَا طَلَاقَ سُنَّةٍ، أَوْ لَا يُسَمَّى طَلَاقَ سُنَّةٍ, وَلَا بِدْعَةٍ؟ فِيهِ نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ.

وتنقضي عدة الحامل بوضع كامل الحمل، وهذه من مسائل الإجماع؛ لصريح القرآن فيها.

قال ابن المنذر في الإشراف: وأجمع أهل العلم على أن أجل كل حامل، مطلقة، يملك الزوج رجعتها، أو لا يملك، حرة كانت، أو أمة، أو مدبرة، أو مكاتبة، أن تضع حملها.

وجاء في الموسوعة الفقهية أيضًا: اتفق الفقهاء على أن عدة الحامل تنقضي بانفصال جميع الولد، إذا كان الحمل واحدًا؛ لقوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن}[الطلاق:4].

ولا بأس بالعقد على النفساء لانتهاء عدتها، وهو مذهب جماهير أهل العلم.

قال ابن المنذر في الإشراف: وكرهت طائفة للنفساء أن تنكح ما دامت في الدم، كره ذلك الحسن البصري، والشعبي، وحماد، وأباح سائر أهل العلم النكاح وهي في دمها، قال أبو بكر: وبه نقول.

جاء في الموسوعة الفقهية: متى يجوز للمعتدة بوضع الحمل الزواج: بالوضع أم بالطهر؟

اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:

القول الأول: ذهب جمهور العلماء، وأئمة الفتوى إلى أن المرأة تتزوج بعد وضع الحمل، حتى وإن كانت في دمها؛ لأن العدة تنقضي بوضع الحمل كله، فتحل للأزواج، إلا أن زوجها لا يقربها حتى تطهر؛ لقوله تعالى: {ولا تقربوهن حتى يطهرن} .[ البقرة :222].

القول الثاني: ذهب الحسن، والشعبي، والنخعي، وحماد إلى أنه لا تنكح النفساء ما دامت في دم نفاسها؛ لما ورد في الحديث (فَلَمَّا تَعَلَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا، تَجَمَّلَتْ لِلْخُطَّابِ) [رواه البخاري] ومعنى تعلت: يعني طهرت.

وهذا الأمر الثالث إنما نحتاج إليه إن لم تكن المرأة المذكورة طهرت خلال الشهر؛ لأن غالب النفاس أربعون يومًا .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني