الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

فروض التيمم للحدث الأكبر.. ومعنى قاعدة: الرخص لا تناط بالمعاصي.

السؤال

جزاكم الله خيرا على ماتقدمونه لخدمة المسلمين: أريد أن أستفتسر عن كيفية التيمم لرفع الجنابة وهل حكمي كحكم المغتسل بالماء؟ وأريد أن تشرحوا لي قاعدة: الرخص لا تنوط بالمعاصي.وشكرا لكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الجنب لا يجوز له أن يتيمم إلا إذا لم يجد الماء أو لم يقدر على استعماله بأن كان يخشى باستعماله المرض أو زيادته أو يخاف على نفسه أو ماله أو بعض أهله أو غير ذلك، وأما مع وجود الماء والقدرة على استعماله بلا خوف ضرر: فلا يجوز التيمم ويجب الغسل.

وحيث أبيح التيمم للجنب، فإن صفته أن ينوي ما يريد التيمم له، ويضرب الأرض ضربة يمسح بها وجهه وظاهر كفيه، ولا تختلف صفة التيمم للحدث الأكبر عن صفته للحدث الأصغر إلا أن التيمم للحدث الأكبر لا يشترط فيه الترتيب والموالاة، قال البهوتي في الروض: وفروضه ـ أي فروض التيمم ـ مسح وجهه سوى ما تحت شعره ولو خفيفا وداخل فم وأنف، ويكره، ومسح يديه إلى كوعيه، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمار: إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا، ثم ضرب بيديه إلى الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه ـ متفق عليه، وكذا الترتيب بين مسح الوجه واليدين، والموالاة بينهما بأن لا يؤخر مسح اليدين بحيث يجف الوجه لو كان مغسولا، فهما فرضان في التيمم عن حدث أصغر لا عن حدث أكبر أو نجاسة ببدن، لأن التيمم مبني على طهارة الماء. انتهى.

فإذا تيمم الجنب للصلاة المفروضة جاز له كل ما يجوز للمغتسل حتى تبطل طهارته.

وقد اختلف العلماء في التيمم هل هو رافع للحدث كالوضوء والغسل أو هو مجرد مبيح للصلاة وليس رافعا للحدث، وتفرع على هذا خلافهم في مسائل منها بطلان التيمم بخروج الوقت، والراجح عندنا أن التيمم يرفع الحدث رفعا مؤقتا فلا تبطله إلا مبطلات الطهارة المائية كما يبطل بوجود الماء أو القدرة على استعماله، وانظر الفتوى رقم: 37000.

وأما معنى كون الرخص لا تناط بالمعاصي: فمعناه أن العاصي لا يعان على معصيته بالرخص الشرعية التي يرخص بها لغيره، فالعاصي بسفره -مثلا- وهو من سافر لغرض محرم لا يباح له الترخص بشيء من رخص السفر، لأن إباحة الترخص له إعانة على معصيته، فلم يكن له ذلك، فمن سافر سفر معصية يمسح على الخفين يوما وليلة كالمقيم، ولا يقصر الصلاة، ولا يفطر في رمضان، ولا يأكل الميتة إذا اضطر وهكذا، والواجب عليه حتى يباح له الترخص أن يتوب من معصيته تلك. وهذا بخلاف العاصي في سفره فإنه يترخص، جاء في كتاب القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة ما عبارته: إن فعل الرخصة متى توقف على وجود شيء نظر في ذلك الشيء، فإن كان تعاطيه في نفسه حراماً امتنع فعل الرخصة، وإلا فلا. وبهذا يظهر الفرق بين المعصية بالسفر، والمعصية في السفر، فالعبد الآبق، والناشزة والمسافر للمكس ونحوه، عاص بالسفر، فالسفر نفسه معصية، والرخصة منوطة به، أي معلقة به، ومترتبة عليه، ترتب المسبب على السبب، فلا تباح فيه الرخص، ومن سافر مباحاً فشرب الخمر في سفره فهو عاص فيه أي مرتكب المعصية في السفر المباح، فنفس السفر ليس معصية، ولا هو آثم به، فتباح فيه الرخص، لأنها منوطة بالسفر، وهو في نفسه مباح. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني