الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا يجب الغسل على من حضر الجنازة

السؤال

هل من الواجب الاغتسال بعد حضور الجنازة ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فأما الاغتسال، أو الوضوء من مجرد حضور الجنازة، فلا يجب بالاتفاق، لكن قد وقع الخلاف في وجوب الغسل على من باشر غَسل الميت، وفي استحبابه، وكذا في وجوب الوضوء من ذلك، أو استحبابه.

قال أصحاب الموسوعة الفقهية: ذهب الحنفية، وهو قول لمالك، والشافعية في الصحيح عندهم، والحنابلة، إلى أنه يستحب لغاسل الميت أن يغتسل؛ لحديث رواه الترمذي، وذُكر أيضاً في الموطأ، وهو: {من غسل ميتاً فليغتسل}. وفي قول لمالك، وهو قول جمهور فقهاء المالكية - ما عدا ابن القاسم - أنه لا غسل على غاسل الميت؛ لأن تغسيل الميت ليس بحدث. انتهى.

قال النووي في المجموع: ومن المستحب الغسل من غسل الميت، وللشافعي قول أنه يجب إن صح الحديث فيه، ولم يصح فيه حديث، ولا فرق في هذا بين غسل الميت المسلم والكافر، فيسن الغسل من غسلهما، ويسن الوضوء من مس الميت، نص عليه الشافعي في مختصر المزني- رحمهما الله- وقاله الأصحاب. اهـ.

قال ابن حجر الهيتمي - وهو من فقهاء الشافعية - في "التحفة": للخبر الصحيح «من غسل ميتا فليغتسل» وصرفه عن الوجوب الخبر الصحيح: «ليس عليكم في غسل ميتكم غسل، إذا غسلتموه». انتهى.

وقالوا في الموسوعة الفقهية في الخلاف في وجوب الوضوء: ذهب جمهور الفقهاء وهو قول بعض الحنابلة، إلى عدم وجوب الوضوء بتغسيل الميت؛ لأن الوجوب يكون من الشرع، ولم يرد في هذا نص، فبقي على الأصل . ولأنه غسل آدمي، فأشبه غسل الحي، وما روي عن أحمد في هذا محمول على الاستحباب. ويرى أكثر الحنابلة أن من غسل الميت، أو بعضه ولو في قميص، يجب عليه الوضوء سواء أكان المغسول صغيرا أم كبيرا، ذكرا أم أنثى، مسلما أم كافرا؛ لما روي عن ابن عمر، وابن عباس- رضي الله عنهم- أنهما كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء؛ ولأن الغالب فيه أنه لا يَسْلم أن تقع يده على فرج الميت، فتقام مظنة ذلك مقام حقيقته، كما أقيم النوم مقام الحدث. انتهى.

وأما غير غسل الميت كحمله، وتشييعه، فقد صح من رواية مالك في "الموطأ" عن نافع، أن عبد الله بن عمر حنط ابناً لسعيد بن زيد، وحمله ثم دخل المسجد، فصلى ولم يتوضأ.

قال ابن عبد البر في "الاستذكار": وإنما أدخل مالك هذا الحديث إنكاراً لما روي عن النبي - عليه السلام - أنه قال: {من غسل ميتا فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ}، وهو حديث يرويه ابن أبي ذئب، عن صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة عن النبي - عليه السلام - وقد جاء من غير هذا الوجه أيضاً، وإعلاماً أن العمل عندهم بخلافه. ولم يختلف قوله أنه لا وضوء على من حمل ميتاً، واختلف قوله في الغسل مِن غسلِ الميت... ومعنى الحديث المذكور عن أبي هريرة - والله أعلم - أن من حمل ميتاً فليكن على وضوء؛ لئلا تفوته الصلاة عليه، وقد حمله وشيعه، لا أن حمله حَدَثٌ يوجب الوضوء. فهذا تأويله. والله أعلم. انتهى.

وقال الشافعية باستحباب الوضوء من حملِ الميت، وكذا قبله، للحديث المذكور.

قال العلامة القليوبي: يندب الوضوء من تيممه (يعني الميت) لأن فيه مس جسده، ومثله الحمل لكن بعده، وقيل: قبله. ويندب الوضوء قبله أيضاً ليكون حمله على طهارة، وعلى هذا حمل شيخنا الرملي حديث: «من حمله فليتوضأ» بقوله: من حمله أي أراد حمله. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني