الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المعايير الشرعية لا تنطبق على فرع البنك الربوي ليكون إسلاميا

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
تخرجت من كلية التجارة سنة 2004، والحمد لله كنت من أوائل الخريجين بالكلية، وكانت المصلحة الوحيدة في ذلك الوقت التي تقبل تعيين أوائل الخريجين هي بنك ربوي، ولكن وقتها لم أكن أعلم قوة حرمة العمل في هذه البنوك، وتم تعييني في البنك. وبعد فترة قرأت الفتاوى الخاصة بالعمل في البنوك، ولكن قبل أن أقرر ترك هذا البنك، أعلم سيادتكم أنه تم افتتاح فرع للمعاملات الإسلامية تابع للبنك الربوي، فاسمحوا لي أن أوضح باختصار معاملة الفرع الإسلامي، وأفيدونا إذا كان يتعامل طبقا للشريعة أم لا؟
أولا: في مجال الودائع التي يودعها العملاء في البنك الإسلامي: يتم احتساب فائدة مؤقتة، أو مبدئية لحين انتهاء السنة المالية، يتم تحديد النسبة النهائية، وهذه النسبة يحددها قطاع المعاملات الإسلامية بالبنك الرئيسي التابع للبنك الربوي، أو البنك المركزي. وعلى حد قولهم أن هذه النسبة تحدد بناء على ربح الفروع الخاصة بالمعاملات الإسلامية، وأعتقد أن البنك المركزي يتدخل في تحديد النسبة أيضا بإعطائه معدلا معينا ما بين كذا وكذا والله أعلم، في المعيار الذي يحددون به النسبة، فمثلا يكون 8% من الوديعة مؤقتة، ثم بعد ذلك التسوية في نهاية السنة تكون 10 % مثلا من قيمة الوديعة سنويا، ثم تتم التسوية.
ثانيا: في مجال القروض: فهي عبارة عن مرابحات سيارات، أو أجهزة متنوعة، فالعميل الذي يرغب في شراء سيارة مثلا يتوجه للفرع الإسلامي، ويقوم بالاطلاع على أنواع، وأسعار السيارات طبقا للكتالوج أي كتيبات، ويقوم العميل باختيار النوع، ثم يقوم البنك بكتابة العقد الخاص بينه وبين العميل على شراء السيارة، ويقوم العميل بدفع مبلغ كمقدم للبنك لإثبات جدية الطلب (تُرد في حالة عدم إتمام العقد أي إنه غير ملزم بشراء السيارة ) ثم بعد ذلك يقوم البنك بشراء السيارة للعميل، وهناك حساب جاري ما بين البنك والشركة، وعند استلام العميل السيارة يوقع على استلام السيارة، ويبدأ تنفيذ العقد الذي بينه وبين البنك. وفي حالات أخرى يقوم البنك بإعطاء العميل تفويضا باستلام السيارة من الشركة الخاصة بالسيارات، نيابة عن البنك، وذلك حسب رغبة العميل (أي إن موقع التسليم حسب رغبة العميل إما في معرض البنك، أو في الشركة. وفي حالات أخرى يكون التسليم إجباريا من موقع شركة السيارات طبقا لتعليمات، وشروط شركة السيارات، نظرا للظروف الأمنية)
وأيضا في مجال القروض توجد قروض متناهية الصغر، وهي عبارة عن قرض ربوي بإعطاء العميل مبلغا بفائدة محددة، ولكن هذه القروض لا تمثل أكثر من 6% من إجمالي القروض بالمرابحات. وبالتالي أرباحها لا تمثل تقريبا أكثر من 6% من إجمالي أرباح البنك.
أود أن أنوه على ملحوظة: يوجد هناك فرق بين مبلغ الودائع، ومبلغ القروض، إذا زاد مبلغ الودائع يوجد فائض سيولة، يتم إيداعها في البنك الربوي بفائدة ربوية، وإذا زاد مبلغ القروض يوجد عجز في السيولة يتم توفيرها من البنك الربوي بفائدة ربوية، وعلى أية حال الفرق بسيط سواء بالعجز أو الزيادة، وفي الوقت الحالي يوجد فائض سيولة بسيط يتم إيداعه في البنك الربوي، وأخذ فائدة ربوية عليه، وهذا العائد الربوي لا يمثل أكثر من 10% من إجمالي أرباح البنك حاليا.
أنا الآن أعمل في الإدارة العامة بالمحافظة، ومن ضمن صلاحيات وظيفتي أن أكتب تقارير مالية عن الوضع المالي للبنك، مرسلة للبنك الرئيسي بالعاصمة، وأيضا مقترحات بشأن البنك، ولقد كتبنا مسبقا عن مقترح زيادة عدد الفروع الإسلامية في المحافظة، وبالفعل تمت الموافقة على إنشاء فرعين آخرين بالمحافظة، ولكن رئيس البنك تم تغييره ولم يكتمل تنفيذ المقترح، والآن أسعى جاهدا لإحياء هذا المقترح وتقديمه مرة أخرى، وذلك في محاولة لنشر الفروع الإسلامية بدلا من البنوك الربوية، وهذا بالتدريج.
آسف على الإطالة، ولكن أفيدوني بالآتي:
1-هل أعمل في هذا الفرع وأقوم بالانتقال من الإدارة العامة إلى هذا الفرع الإسلامي، أم إن العمل في هذا الفرع محرم طبقا لمعاملاته، علما بأن الراتب يؤخذ من البنك الرئيسي الربوي، ولكن سيكون نظير العمل في هذا الفرع الإسلامي؟
2-هل يجوز العمل في بنك بعض معاملاته تكون غير شرعية؟
3-هل عملي بالإدارة لسعيي لنشر الفروع الإسلامية، يكون مبررا لوجودي بالإدارة أو البنك عموما؟ وهذا ما أتمناه بالفعل، وأسعى إليه جاهدا بكتابة التقارير، والمقترحات وهو نشر الفروع الإسلامية بدلا من الربوية، علما بأن الأوضاع الاقتصادية بمصر الآن متردية، فالوظائف المتاحة بالدولة محدودة جدا، وأيضا أنا متزوج وأعول زوجة وأولادا، وأما، وأختين.
وأسأل الله أن أجد ما يريح صدري.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهناك مخالفتان صريحتان في تعاملات الفرع الذي وصفه السائل بأنه إسلامي:

الأولى: القروض الربوية التي قال عنها: (قروض متناهية الصغر، وهي عبارة عن قرض ربوي بإعطاء العميل مبلغا بفائدة محددة ... ) فإنه لا عبرة بصغر العائد الربوي في الحكم بالحرمة.

والثانية: التعامل الربوي الصريح بين هذا الفرع وبين البنك المركزي، وذلك في عملية إيداع الزائد من أموال الودائع، وكذلك الاقتراض منه حال العجز في السيولة، بفائدة ربوية!

وهناك أمور أخرى مشكلة، ولكن ليست بهذه الصراحة والوضوح في الحرمة، كتحديد البنك المركزي سقفا معينا لأرباح الودائع، وكذلك توفر الضوابط الشرعية في عملية بيع المرابحة. وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 17902، 206356، 139582، 120690.
وما تقدم يجعلنا نستبعد أن يكون هذا الفرع بنكا إسلاميا, وإذا كان الغالب على معاملاته المعاملات المحرمة، فلا يجوز العمل به والحال هذه, فضلا عن العمل في الإدارة العامة للبنك الربوي، فهذا أشد نكارة!

وأما حكم العمل في بنك إسلامي بعض معاملاته غير شرعية، فراجع في جوابه الفتوى رقم: 47194. ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتويين: 102718، 8227.

وأما السؤال الرابع، فجوابه أن العمل في البنوك الربوي لا يبرره السعي لنشر فروع إسلامية، ولاسيما إن كانت على صفة الفرع المذكور في السؤال بما يحتويه من محاذير شرعية، فإن السلامة لا يعدلها شيء، ودرء المفاسد مقدم على جلب المنافع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم. متفق عليه.

قال الماوردي ـ كما نقل عنه ابن حجر في (الفتح) ـ تعليقا على هذا الحديث: الكف عن المعاصي ترك، وهو سهل، وعمل الطاعة فعل، وهو يشق، فلذلك لم يبح ارتكاب المعصية ولو مع العذر؛ لأنه ترك، والترك لا يعجز المعذور عنه، وأباح ترك العمل بالعذر؛ لأن العمل قد يعجز المعذور عنه. اهـ.

وأما ما ذكرته بخصوص الأوضاع الاقتصادية المتردية، فإن ذلك يقدر بقدره، فإن العمل في البنك الربوي لا يجوز بحال من الأحوال إلا في حالة الضرورة، بحيث لا يجد المرء ما يسد به رمقه هو وعياله، أو لا يجد سكناً يؤويه.

وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 23001، 124723، 100785.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني