الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تكريم الإسلام للمرأة في تشريع النفقة عدل وفضل

السؤال

أعيش في أمريكا، والقانون هنا يفرض على الرجل إذا طلق زوجته أن تأخذ نصف أملاكه، فهل هذا جائز؟ علماً بأنها هذه هي القوانين وفي الشرع ليس لديها أن تأخذ من طليقها أي شيء، ولا نفقة لها، فالمرأة تعيش مع زوجها سنوات وليس لها دخل، وإذا طلقها فمن أين لها أن تعيش؟ وما الحكمة في ديننا وشريعتنا أنها لا تأخذ من راتبه جزءاً شهرياً، فهو يعمل خارج المنزل وهي تعمل داخل المنزل، وفي نهاية العام يكون قد جمع مبلغاً من المال وهي ليس لديها شيء سوى مأكلها؟! وعندما يريد الانفصال تبقى بلا معيل، ولا مأوى لها.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالذي جاء به الشرع الحكيم هو أن الزوج إذا طلق زوجته كان لها عليه حقوق تختلف باختلاف نوع الطلاق، ويمكنك مطالعة هذه الحقوق في الفتوى رقم: 9746.

فالقول بأنها تأخذ نصف أملاك زوجها مخالف للشرع الذي أنزله الله سبحانه، وهو أعلم بمصالح عباده في معاشهم ومعادهم، قال تعالى: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ {الملك:14}.

وهو الذي له حق التشريع لا أحد غيره، قال سبحانه: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ {الرعد:41}.

ومن هنا، فأولى ما يقال في حكمة هذا التشريع هو أن هذا حكم الله، وهذا كاف بالنسبة للمسلم، لأن مقتضى إيمانه وجوب التسليم لأمره والرضا بحكمه، قال تعالى: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {النساء:65}.

ولا بأس بعد التسليم والرضا بأن يلتمس المسلم ما وراء ذلك من الحكمة، والذي ينظر فيما جاء به الإسلام يجد أنه عين العدل والإنصاف، فقد جعل النفقة واجبة على الزوج بقدر الكفاية في المطعم والملبس والمسكن، فلم يوجب على الزوجة أن تنفق على نفسها، وإذا امتنع عن الإنفاق عليها لغير عذر شرعي جاز لها الخروج للعمل بغير إذنه، بل ويجوز لها الخروج للعمل المباح إذا شرطت على الزوج قبل الزواج أن تعمل، ويجب على الزوج الوفاء لها بذلك، ويجب على الزوج أن ينفق عليها ولو كانت غنية، وليس له حق التصرف في مالها إلا بطيب نفس منها، وإذا حصل الطلاق فقد علمت ما حقوقها عليه.

وأما القانون المذكور: فهو عين الظلم، فهو مع إيجاب النفقة يوجب على الزوج أن يعطي الزوجة نصف ماله، وهذا يعني أنها إذا تزوجها وبقي معها ولو لحظة يدفع إليها نصف ماله، فهل هذا من العدل؟! ولو كانت المرأة مكان الرجل هل ترضى أن يؤخذ منها هذا القدر من المال؟ ولا نعني بما ذكرنا أنه يجوز لها أن تأخذ من ماله باختلاف مدة بقائها معه، ولكن المقصود أنها لا حق لها في ماله إلا بالقدر الذي حدده الشرع، وبعد الطلاق إذا تزوجت المرأة من آخر فيكفيها زوجها النفقة، وإذا لم تتزوج وجبت نفقتها على الأب، ولها أن تعمل العمل المباح المنضبط بالضوابط الشرعية لتنفق على نفسها، قال الفقهاء: تجب نفقة البنت الفقيرة على أبيها مهما بلغت حتى تتزوج، وعندئذ تصبح نفقتها على الزوج، فإذا طلقت عادت نفقتها على الأب، ولا يجوز للأب أن يجبرها على الاكتساب، فإن اكتسبت من مهنة شريفة لا تعرضها للفتنة كخياطة وتعليم وتطبيب، سقطت نفقتها عن الأب.... اهـ.

فأمر المرأة مرتب في الفقه الإسلامي، فلم يتركها هملا، وننبه إلى أنه لا يجوز للمسلم التحاكم إلى القوانين الوضعية إلا لضرورة، وإذا ألجأت الضرورة إلى التحاكم إليها، فلا يجوز أن تأخذ الزوجة أكثر مما أعطاها إياه الشرع.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني