الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل كل ما سمعه الإنسان يكتب في صحيفته وإن لم يكن انتبه له أثناء تحديثه به؟

السؤال

إذا كان هناك شخص تكلم عندي بموضوع معين، لكن لم أنتبه لما قال، ولم أسمعه جيدا.
هل أعرف ماذا قال يوم القيامة؟ وهل أجد ما قال ضمن صحيفتي؛ لأنه حدث حولي، وقد أكون سمعته أو لم أسمعه؟
وهل أستطيع أن أسأل الله عن هذا الشيء الذي لم أنتبه له، ولم أسمعه جيدا في الآخرة يوم القيامة؟
وشكرا لكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فننصح إخواننا بالاهتمام بالأعمال التي كلفهم الله تعالى بالقيام بها، وتوظيف طاقاتهم وأوقاتهم في المزيد من تعلم العلم، والعمل به.

ثم إن الأعمال التي يعملها العبد من خير أو شر ستكتب عليه، ويدخل في ذلك عمل جوارحه من أذن، أو عين، فيسأل عما نظر أو سمع، كما قال الله تعالى: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا {الإسراء:36}.

وقد ورد في النصوص أن الإنسان لا يعمل عملا، أو يتلفظ بكلمة إلا لديه ملائكة يرقبون ذلك؛ قال تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ {الإنفطار: 10 ـ 12 }. وقال جل من قائل: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ { ق: 18 }.

وقد أخبرنا الله تعالى في كتابه العزيز الكريم أنه سيعطي كل إنسان كتابًا فيه جميع أعماله يقرؤه بنفسه، وأن المؤمن سيعطى هذا الكتاب بيمينه، وأن الكافر سيعطاه بشماله من وراء ظهره؛ قال تعالى: وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الإسراء:13 - 14].
وقال تعالى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا {آل عمران:30}،

وقال سبحانه: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ {الزلزلة: 6 ـ 8 }
وقال: { مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا {الكهف:49}. وقال: { وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ {القمر:53}.

قال ابن كثير في قوله تعالى: إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (ق:18): أي: إلا ولها من يرقبها معد لذلك ليكتبها، لا يترك كلمة ولا حركة, كما قال تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (الانفطار:10-12). انتهى.
قال ابن الجوزي في زاد المسير: قوله تعالى: لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاهَا {الكهف: 49}. هذا على ظاهره في صغير الأمور وكبيرها. وقد روى عكرمة عن ابن عباس، قال: الصغيرة: التبسم، والكبيرة: القهقهة، وقد يُتوهَّم أن المراد بذلك صغائر الذنوب وكبائرها، وليس كذلك، إذ ليس الضّحك والتّبسّم، بمجرّدهما من الذنوب، وإِنما المراد أن التبسم من صغار الأفعال، والضحك فعل كبير، وقد روى الضحاك عن ابن عباس، قال: الصغيرة: التبسم والاستهزاء بالمؤمنين، والكبيرة: القهقهة بذلك، فعلى هذا يكون ذنباً من الذنوب لمقصود فاعله، لا لنفسه. انتهى.

وقد اختلف أهل العلم فيما إذا كان يكتب كل شيء صدر عن الإنسان كالحركة، والسكون، والنوم، والكلام وغير ذلك، أم إنه لا يكتب إلا ما فيه ثواب أو عقاب.

قال القرطبي في تفسيره: قال ابن الجوزاء، ومجاهد: يكتب على الإنسان كل شيء حتى الأنين في مرضه، وقال عكرمة: لا يكتب إلا ما يؤجر به، أو يؤزر عليه، وقيل يكتب عليه كل ما يتكلم به، فإذا كان آخر النهار محي عنه ما كان مباحا، نحو: انطلق، اقعد، كل، مما لا يعلق به أجر ولا وزر. اهـ.

وبناء عليه يعلم أن ما كان له علاقة بعمل العبد كسمعه، أو نظره يحتمل أن يجده في كتابه، وأما ما عمله غيره وأحب في الدنيا الاطلاع عليه، فإذا سأل الله تعالى أن يطلعه عليه، وكان من أهل الجنة، فلا يبعد أن يستجيب له، ويعطيه سؤله، فقد ثبت أن المؤمن في الآخرة سينال ما يشتهيه في الجنة، كما قال تعالى: يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {الزخرف:71}.

وقال تعالى: وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ {فصلت:31}.

وقال تعالى: لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ {الزمر:34}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني