الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سجود الشكر.. مذاهب العلماء فيه.. وسببه. ومشروعية الدعاء في جميع الأحوال

السؤال

الغرض من السؤال السابق الذي لم تتم الإجابة عنه حتى الآن هو حيرتي في العبادات اليومية، ومن ذلك الدعاء دبر كل صلاة، أو تلاوة القرآن قبل الدعاء؛ للإتيان بعمل صالح تستجاب الدعوة عنده، وحبي للسجود شكرًا لله على كل ما أشتري تقريبًا من بضائع، وطعام، وتعداده أثناء السجود، مع تكرار الحمد على كل البضائع قدر المستطاع، وقول: اللهم اجعل لي فيه الشفاء دبر كل مرة أتناول فيها دوائي، والظاهر عندي أن بعض هذه الأمور بدع، وإلا فما الفرق بين ذكر صدق الله العظيم دبر كل تلاوة للقرآن وهذه الأمور، فلم ينقل عن السلف شيء من كل هذا، وأنا في حيرة، ومحتاج لتعريف كامل بالبدعة، أتخذه ميزانًا أقيس به كل العبادات اليومية، فأفتونا - وفقكم الله -.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد أجبنا عن سؤالك السابق في الفتوى رقم: 240907.

وأما ما ذكرته هنا: فمنه ما يحتاج إلى دليل خاص، وإلا كان من المحدثات، كالمواظبة على سجود الشكر في أحوال وقع للنبي صلى الله عليه وسلم مثلها ولم يسجد؛ وذلك أن ترك النبي صلى الله عليه وسلم لعبادة وُجِد مقتضاها وزال مانعها، يدخل فعلها في دائرة المحدثات، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 158183، وراجع في خصوص سجود الشكر هاتين الفتويين: 65436، 22037.

وهنا نلفت نظر السائل إلى خلاف أهل العلم في مشروعية سجود الشكر أصلًا:

فمذهب الشافعية، والحنابلة أنه سنة عند وجود سببه.

ومشهور مذهب المالكية أنه مكروه، وهو نص مالك، والظاهر أنها عنده كراهة تحريم.

ومذهب أبي حنيفة الكراهة، إلا أنهم صرحوا بما يدل على أنها كراهة تنزيه.

وأما سببه الذي يشرع عنده على قول من يقول به، فهو: طروء نعمة ظاهرة، كأن رزقه الله ولدًا بعد اليأس، أو لاندفاع نقمة، كأن شفي له مريض، أو وجد ضالة، أو نجا هو أو ماله من غرق، أو حريق، أو لرؤية مبتلى، أو عاص، أي: شكرًا لله تعالى على سلامته هو من مثل ذلك البلاء، وتلك المعصية ..

وفي قول عند الحنابلة: يسجد لنعمة عامة، ولا يسجد لنعمة خاصة، قدمه ابن حمدان في الرعاية الكبرى.

ثم إنه عند الشافعية، والحنابلة: لا يشرع السجود لاستمرار النعم؛ لأنها لا تنقطع،. ولأن العقلاء يهنئون بالسلامة من الأمر العارض، ولا يفعلونه كل ساعة. كما جاء في الموسوعة الفقهية.

ويسع السائل أن يحمد الله تعالى عند كل طعام وشراب ـ كما هو السنة ـ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها. رواه مسلم. قال النووي: وَفِيهِ: اِسْتِحْبَاب حَمْد اللَّه تَعَالَى عَقِب الْأَكْل وَالشُّرْب، وَقَدْ جَاءَ فِي الْبُخَارِيّ صِفَة التَّحْمِيد: "الْحَمْد لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ, غَيْر مَكْفِيّ، وَلَا مُودَع، وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبّنَا" وَجَاءَ غَيْر ذَلِكَ، وَلَوْ اِقْتَصَرَ عَلَى الْحَمْد لِلَّهِ حَصَّلَ أَصْلَ السُّنَّة. اهـ.

وأما الدعاء، فالأمر فيه واسع؛ لدخوله في الأدلة العامة، ولكونه سؤالًا وطلبًا، فيشرع في كل وقت ومناسبة يحتاج فيها المرء لفضل ربه، ومعونته، وتيسيره، مما لا ينفك عنه مسلم في جميع أحواله؛ كالمريض يتناول دواء فيدعو لنفسه بالشفاء، فهذا لا يحتاج إلى دليل خاص، اللهم إلا أن يدعو بلفظ معين يعتقد فضيلته أو سنيته، أو يدعو بعدد معين ويواظب عليه، فهذه الأمور الإضافية هي التي تحتاج إلى دليل خاص، ومثال ذلك العدد (7) في الدعاء للمريض عند عيادته، تشرع المواظبة عليه؛ لوروده في دليل خاص، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: ما من عبد مسلم يعود مريضا لم يحضر أجله فيقول ـ سبع مرات ـ: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، إلا عوفي. رواه الترمذي، وأبو داود، وأحمد، وصححه الألباني.

ومن ذلك أيضًا: اعتقاد فضيلة الدعاء عقب الصلاة، أو قراءة القرآن، فإن من مواطن الإجابة: عقب التشهد في الصلاة، وفي هذا الموطن يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو. رواه البخاري، ومسلم. ويتأكد هذا في دبر الصلوات المكتوبات؛ لحديث أبي أمامة قال: قيل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي الدعاء أسمع؟ قال: جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات. رواه الترمذي، وحسنه الألباني.

ومنها: قرآن القرآن؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من قرأ القرآن فليسأل الله به، فإنه سيجيء أقوام يقرؤون القرآن يسألون به الناس. رواه الترمذي، وحسنه، وحسنه الألباني.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني