الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رد الشبهة عن ابن عمر في الوطء في الدبر

السؤال

الرجاء الإفادة عن مباشرة الزوجة في الدبر خصوصاً وإن هناك من يعتمد على حديث ابن عمر والخدري في التحليل فما رأي هذا وذاك؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فأ ما حكم إتيان المرأة في الدبر، فقد سبق بيانه في الفتوى رقم: 4340.
وما ينسب إلى ابن عمر وغيره من السلف من القول بجواز ذلك، فليس صحيحاً، ولا يثبت عنهم، بل الثابت عنهم تحريمه.
وقد أجاد الإٍمام ابن القيم في الرد على هذه الشبهة، فقال في شرحه لسنن أبي داود: وهذا الذي فسر به ابن عباس يعني: فسر قوله تعالى: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [البقرة:223] أي: مقبلات ومدبرات ومستلقيات يعني بذلك موضع الولد (الفرج)، فسر به ابن عمر. وإنما وهموا لم يهم هو، فروى النسائي عن أبي النصر أنه قال لنافع: قد أكثر عليك القول أنك تقول عن ابن عمر أنه أفتى بأن يؤتى النساء في أدبارهن، قال نافع: لقد كذبوا علي، ولكن سأخبرك كيف كان الأمر، إن ابن عمر عرض المصحف يوماً وأنا عنده، حتى بلغ (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) قال: يا نافع هل تعلم ما أمر هذه الآية؟ إنا كنا معشر قريش نجيىء النساء، فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردنا منهم مثل ما كنا نريد من نسائنا، فإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه، وكانت نساء الأنصار إنما يؤتين على جنوبهن، فأنزل الله عز وجل: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) فهذا هو الثابت عن ابن عمر ولم يفهم عنه من نقل عنه غير ذلك.
ويدل عليه أيضاً ما روى النسائي عن عبد الرحمن بن القاسم قال: قلت لمالك: إن عندنا بمصر الليث بن سعد يحدث عن الحارث بن يعقوب عن سعيد بن يسار قال: قلت لابن عمر: إنا نشتري الجواري، فنحمض لهن، قال: وما التحميض؟ قال: نأتيهن في أدبارهن، قال: أف، أو يعمل هذا مسلم؟ فقال لي مالك: فأشهد على ربيعة أنه يحدثنى عن سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر عنه؟ فقال: لا بأس به، فقد صح عن ابن عمر أنه فسر الآية بالإتيان في الفرج من ناحية الدبر، وهو الذي رواه عنه نافع، وأخطأ من أخطأ على نافع فتوهم أن الدبر محل للوطء لا طريق إلى وطء الفرج، فكذبهم نافع، وكذلك مسألة الجواري، إن كان قد حفظ عن ابن عمر أنه رخص في الإحماض لهن، فإنما مراده إتيانهن من طريق الدبر، فإنه قد صرح في الرواية الأخرى بالإنكار على من وطأهن في الدبر، وقال: أو يفعل هذا مسلم؟! فهذا يبين تصادق الروايات وتوافقها عنه.
فإن قيل: فما تصنعون بما رواه النسائي من حديث سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر: أن رجلاً أتى امرأته في دبرها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد من ذلك وجداً شديداً، فأنزل الله عز وجل: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) قيل: هذا غلط بلا شك، غلط فيه سليمان بن بلال أو ابن أبي أويس راويه عنه، وانقلبت عليه لفظة (من) بلفظة (في) وإنما هو أتى امرأة من دبرها، ولعل هذه هي قصة عمر بن الخطاب بعينها، لما حول رحله، ووجد من ذلك وجداً شديداً، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هلكت، وقد تقدمت، أويكون بعض الرواة ظن أن ذلك هو الوطء في الدبر، فرواه بالمعنى الذي ظنه، مع أن هشام بن سعد قد خالف سليمان في هذا، فرواه عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار مرسلاً.
والذي يبين هذا ويزيده وضوحاً: أن هذا الغلط قد عرض مثله لبعض الصحابة حين أفتاه النبي صلى الله عليه وسلم بجواز الوطء في قبلها من دبرها، حتى يبين له صلى الله عليه وسلم ذلك بياناً شافياً، قال الشافعي: أخبرني عمي قال: أخبرني عبد الله بن علي بن السائب عن عمرو بن أحيحة بن الجلاح أو عن عمرو بن فلان ابن حيحة قال الشافعي: أنا شككت عن خزيمة بن ثابت: أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن، أو إتيان الرجل امرأته في دبرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حلال، فلما ولى الرجال دعاه، أو أمر به فدعي، فقال: كيف قلت؟ في أي الخربتين، أو في أي الخرزتين، أو في أي الخصفتين؟ أمن دبرها في قبلها؟ فنعم، أم من دبرها في دبرها؟ فلا، إن الله لا يستحي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن. قال الشافعي: عمي ثقة، وعبد الله بن علي ثقة، وقد أخبرني محمد وهو عمه محمد بن علي عن الأنصاري المحدث به أنه أثنى عليه خيراً، وخزيمة من لا يشك عالم في ثقته، والأنصاري الذي أشار إليه: هو عمر بن أحيحة فوقع الاشتباه كون الدبر طريقاً إلى الوطء، أو معنى من بمعنى في فوقع الوهم. ا.هـ
وقال في الطب النبوي: ومن هنا نشأ الغلط على من نقل عنه الإباحة من السلف والأئمة، فإنهم أباحوا أن يكون الدبر طريقاً إلى الوطء في الفرج فيطأ من الدبر لا في الدبر، فاشتبه على السامع من نفى، أو لم يظن بينهما فرقاً، فهذا الذي أباحه السلف والأئمة، فغلط عليهم الغالط أقبح الغلط وأفحشه.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني