الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم عدم ارتياح الشخص لما صار إليه الأمر بعد الاستخارة

السؤال

أُقيم في المدينة الجامعية مع صديقة لي، وقبل أن أسكن معها أديت صلاة الاستخارة (دون تكرار لعدم عِلمي بذلك)، وبعدها بفترة قمت بزيارة مُعَلم، كنت أَدرس عنده في المرحلة الثانوية، وكانت معي صديقتي (ولم يكن يعرفها من قبل) فطلب مني أن أُقيم معها في المدينة هذا العام, فاعتبرت ذلك نتيجة للاستخارة (علماً بأن المعلم قام بالتسليم علي باليد). وذهبت مع صديقتي إلى شيخ لتجويد القرآن، وطلب منا أن نُقيم معا هذا العام, فاعتبرت ذلك تأكيدا(علماً بأن صديقتي كانت تتأخر في الحضور أياما كثيرة، فيترتب على ذلك الخلوة مع الشيخ، فَتَوَقَفْتُ عن الذهاب بسبب ذلك). ثم طلبت منا صديقة أكبر سناً أن نُقيم معاً, فاعتبرت ذلك تأكيداً آخر.
وكنت أشعُر بالراحة في بداية العام، ولكن الآن أشعُر بالضِيق والحزن، ويؤثر ذلك على دراستي حيث إني أحيانا أتوقف عن المذاكرة وأترك المحاضرات، وأقول في نفسي إن إقامتي معها لم تكن نتيجة للاستخارة، حيث إن قرار الإقامة معها بعد الاستخارة كان مصاحِباً لذنوب (الخلوة، والتسليم باليد)، أو أني لم أُتْقِن صلاة الاستخارة، أو لِعَدَم تكرارها، أو لأني لم أكن أشعر بالراحة الكاملة عند قراري بالإقامة معها. وقمت بأداء صلاة الاستخارة مَرةً أُخرى لترك الغرفة، ولكن كلما حاولت الانتقال من الغُرفة تحدث أشياء تمنعني من ذلك. وأنا الآن لا أعرف ماذا أفعل؟
وأسباب إحساسي بالضِيق هي:
1- أني معتادة على النوم مبكراً حتى أستطيع الاستيقاظ لصلاة الفجر، ومراجعة دروسي باكراً, وصديقاتي في الغرفة لا يذهبن إلى النوم إلا في ساعة متأخرة من الليل, فلا أستطيع النوم، أو أستيقظ دون أخذ مدة كافية من النوم، بسبب أصواتهن العالية(مع أني أخبرتهن أن ذلك يضايقني) مما يؤدي إلى ضعف التركيز في اليوم التالي, وقد تسبب ذلك أيضا في عدم نَوْمِي لمدة 24 ساعة تقريبا قبل الامتحان، فلم أستطع أداء الامتحان بطريقة ترضيني, فتسبب ذلك في حزني، مما دعاني إلى عدم إيقاظهن لصلاة الفجر، أو للمذاكرة عندما يطلبن ذلك مني.
2- أن منهن من تقوم بتقليدي فيما أفعل (من تنظيم للمذاكرة، والنوم) ولم يكن ذلك يضايقني في بداية العام، فكنت أحرص على مساعدتهن لكن الآن لا أشعر بالرغبة في مساعدتهن، وشعوري بالكراهية يؤثر على قدرتي على الاستيعاب.
أريد التخلص مما أشعر به من ضيق (حيث إني -بفضل الله تعالى-حصلت على ترتيب على الجمهورية في الصف الثاني الثانوي، وتسبب إحساس مماثل، لا أستطيع حتى الآن تحديد سببه في عدم قدرتي على الحفاظ على المستوى الدراسي في الصف الثالث، وأنا لا أريد أن يتكرر ذلك).
فأرجو توضيح الأمر لي في: الاستخارة التي قمت بها، وما تفعل صديقاتي معي، وما فعلته من عدم إيقاظهن، وأسباب إحساسي بالضيق وطريقة التخلص منها. وهل إقامتي معهن كانت بقدر الله تعالى؟
وهل يجوز لي حَجْز مكان لصديقة لي بجواري عندما تتأخر عن المحاضرة، وتطلب مني ذلك؟
وأعتذر عن الإطالة.
وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالاستخارة دعاء بلفظ وحال مخصوصين، فلو استخار العبد محصلا شروط الإجابة، فلن يفعل إلا ما فيه خيره وصلاحه، ولو لم يكن ذلك على وفق هواه؛ وقد قال تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (البقرة: 216) وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 121036.

وعلى أية حال، فالذي يحصل للإنسان، خيره وشره، لا يخرج عن قضاء الله تعالى وقدره.
وأما ما تفعله زميلاتك في وقت النوم، فهو من الإيذاء المخالف للإحسان الذي أمر الله به في قوله: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ } [النساء: 36]. قال السعدي: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} أي: الجار القريب الذي له حقان، حق الجوار، وحق القرابة، فله على جاره حق، وإحسان راجع إلى العرف. {وَ} كذلك {الْجَارِ الْجُنُبِ} أي: الذي ليس له قرابة. وكلما كان الجار أقرب بابًا كان آكد حقًّا، فينبغي للجار أن يتعاهد جاره بالهدية، والصدقة، والدعوة، واللطافة بالأقوال والأفعال، وعدم أذيته بقول، أو فعل. {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} قيل: الرفيق في السفر. وقيل: الزوجة. وقيل الصاحب مطلقا. ولعله أولى، فإنه يشمل الصاحب في الحضر والسفر، ويشمل الزوجة. فعلى الصاحب لصاحبه حق زائد على مجرد إسلامه، من مساعدته على أمور دينه ودنياه، والنصح له؛ والوفاء معه في اليسر والعسر، والمنشط والمكره، وأن يحب له ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه، وكلما زادت الصحبة تأكد الحق وزاد. اهـ.
وبذلك تعلم السائلة أن الأولى بها أن لا تجازي السيئة بمثلها، ولكن تعفو وتصفح، وتعظ وتنصح، بأسلوب حكيم، وتجازي الإساءة بالإحسان، فإن ذلك يعود على صاحبه بالخير العميم، وينقلب به العدو إلى صديق حميم؛ وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 122588.
وأما مسألة إيقاظهن للصلاة، فهذا أمر واجب بحسب القدرة، فإذا خفت خروج وقت الصلاة إذا لم توقظيهن، فلا يسعك ترك عن ذلك مع القدرة عليه؛ وراجعي الفتويين: 67233، 129250.
وأما شعورك بالضيق، فلا ندري ما سببه على وجه القطع، فقد يكون بسبب تأذيك من بعض سلوكيات زميلاتك، وطريقة تعاملهن معك، وقد يكون بسبب بعض الضغوط النفسية بسبب شدة الاهتمام بالمستوى الدراسي أو غير ذلك. وقد يكون بسبب التقصير في العبادة، والإلمام ببعض الذنوب. وقد يكون بسبب الإصابة بالعين بسبب التفوق الدراسي أو غير ذلك من نعم الله تعالى؛ فقد روى ابن حبان في (روضة العقلاء) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استعينوا على الحوائج بكتمان السر؛ فإن لكل نعمة حاسدا. وحسنه الألباني. وروى عن عمر بن الخطاب أنه قال: ما من أحد عنده نعمة إلا وجدت له حاسدا. وراجعي الفتويين: 54514، 188405.
وعلى أية حال فإننا ننصحك باللجوء إلى الله تعالى، وصدق التوكل عليه، وحسن الظن والاستعانة به، وتلاوة القرآن، والرقية الشرعية، والمحافظة على الصلاة، والأذكار الموظفة، والإكثار من الذكر عامة، والإلحاح في الدعاء.
وأما حَجْز مكان لصديقتك بجوارك عندما تتأخر عن المحاضرة، فالذي نراه أن في ذلك استئثارا بالحقوق المشتركة دون وجه حق؛ فإن من المعروف أن الأولى بالمكان هو الذي يسبق إليه من الطلاب، فيكون من الظلم أن يحرم السابق من المكان القريب، أو المميز مع استحقاقه له، بسبب حجز بعض الطلاب لزملائهم المتأخرين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني