الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نذرت أن أتصدق، وأن أخرج أمي للعمرة، فتنازلت عن العمرة، فماذا يلزمني الآن؟

السؤال

بارك الله فيكم مشايخنا الكرام على مجهوداتكم طيلة السنة الدراسية، وغفر الله لنا تقصيرنا. لدي مسألة تقلقني كثيرًا، وأتمنى منكم فتوى واضحة، وجلية فيها، فأنا طيلة هذه الفترة من محنة إلى أخرى - ربما هذا بلاء من الله – فأنا نذرت لله منذ سنتين إن حصلت على وظيفة، أن أفعل كذا وكذا، فلما وفقني الله لما أريد، أخلفت وعدي، لكني – والله - لم أنس ما وعدت الله به، لكن كان همي الزواج والعفاف، وفي ذهني أني سأسعى للوفاء بنذري بعد الزواج، ولم أكن أعلم أن النذر لا يأتي بخير، وهو من البخيل، وكنت قد كلفت نفسي ما لا تطيق، وكنت وعدت الله بإخراج أمي في عمرة، أو مساعدتها للقيام بحجة، مع العلم أن أمي ميسورة الحال، وستخرج مع والدي هذه السنة إلى الحج - إن شاء الله -وقالت لي: أنت أهم، ومصاريفك كثيرة، وأنا لا أريد العمرة، وكذلك نذرت التصدق بمبلغ كبير - مليونين تقريبًا بنقود تونس – فماذا أفعل؟ وما أحسن مصرف للصدقات؟ هل الجمعيات الخيرية أم المساجد؟ وهل يسقط عني نذر العمرة إذا سامحتني أمي؟ فوالله إني أخاف أن أكون من المنافقين؛ فمن صفات المنافق: إذا وعد أخلف -بارك الله فيكم، وجزاكم الله عنا كل خير -.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن يجعل لك من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، واعلم أن أمر النذر عظيم - كما أشرت - فيجب على المسلم الوفاء به على الكيفية التي نذره بها؛ لقول الله تعالى: وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ [الحج: 29]، وقوله صلى الله عليه وسلم: من نذر أن يطيع الله، فليطعه. رواه البخاري.

والنذر المعلق على شرط، يلزم الوفاء به إذا حصل شرطه، لكن لا يجب الوفاء به فورًا على الراجح، إذا لم تكن صيغة النذر تقتضي ذلك، ولم يكن لشخص معين، وهذا هو ظاهر السؤال، فإن كان كذلك، فإنه يسعك أن تتزوج أولًا، ثم تفي بنذرك متى قدرت على الوفاء به.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: تعليق النذر بالملك، مثل: إن رزقني الله مالًا، فلله علي أن أتصدق به، أو شيء منه، فيصح اتفاقًا، وقد دل عليه قوله تعالى: {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن} [التوبة: 75] الآية .. اهـ.

وأما تحمل نفقات العمرة لوالدتك، أو مساعدتها في نفقة الحج، فإن ذمتك تبرأ منه إذا بذلته، فأبت هي قبولها.

قال زكريا الأنصاري في الغرر البهية: في الروض ـ يعني: كتاب روض الطالب للشيخ شرف الدين المقري ـ : ومن نذر لمعين وأعطاه، ولم يقبل، بَرَّ، وللمنذور له، مطالبته إن لم يعطه .. اهـ.

وقال البهوتي في كشاف القناع: (وإن نذر أن يهب له) أي: لزيد مثلًا (برَّ) الناذر (بالإيجاب) وإن لم يقبل زيد، قلت: وكذا لو نذر أن يتصدق عليه، أو أن يهدي له، أو أن يعيره؛ لأن الاسم يقع عليها بدون القبول. اهـ.

ثم إنك إذا عجزت عن الوفاء بالنذر عجزًا مستمرًا، فإنك تكفر عن كل نذر كفارة يمين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كفارة النذر كفارة اليمين. رواه مسلم.

وكفارة اليمين: عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فمن لم يجد شيئًا من ذلك صام ثلاثة أيام.

وراجع في ما سبق، وفي مسألة تقديم الزواج على النذر، الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 218179، 143725، 99475، 151321.

ثم ننبه على أن هذا كله إذا كان كلامك خرج بصيغة النذر المنعقد.

وأما مجرد الوعد، والعزم على الفعل، فلا يلزم؛ لأنه ليس بنذر، وراجع الفتوى رقم: 157121.

وأما أحسن مصرف للصدقة، فراجع فيه الفتوى رقم: 134941.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني