الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

كان صديق أبي يودع مبلغًا كبيرًا من المال في حساب والدي، ويأتمنه على الأموال، وكان مسافرًا في ذلك الوقت، وبعد أن جاء من السفر أخذ أمواله، وسافر مرة أخرى، وعند ذهاب والدي إلى البنك ليودع مالًا وجد مبلغًا من المال ـ فوائد بأثر رجعي على الأموال التي كان يودعها صديقه ـ وعندما اتصل به وأخبره قال له: إنه يتركها ـ أي: الفوائد ـ بشرط أن تكون هدية لي، مع العلم أننا لسنا بحاجة إليها، ووالدي لا يريد أن يتركها، فهل هي حلال أم حرام؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا ريب في أن الفوائد الربوية محرمة، والواجب على من اكتسبها التخلص منها بالصدقة بها على الفقراء، أو في مصالح المسلمين العامة، قال ابن القيم: هذا ينبني على قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام، وهي أن من قبض ما ليس له قبضه شرعًا، ثم أراد التخلص منه، فإن كان المقبوض قد أخذ بغير رضى صاحبه، ولا استوفى عوضه، رده عليه، فإن تعذر رده عليه، قضى به دينًا يعلمه عليه، فإن تعذر ذلك رده إلى ورثته، فإن تعذر ذلك، تصدق به عنه، فإن اختار صاحب الحق ثوابه يوم القيامة كان له، وإن أبى إلا أن يأخذ من حسنات القابض، استوفى منه نظير ماله، وكان ثواب الصدقة للمتصدق بها، كما ثبت عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وإن كان المقبوض برضى الدافع، وقد استوفى عوضه المحرم، كمن عاوض على خمر، أو خنزير، أو على زنى، أو فاحشة، فهذا لا يجب رد العوض على الدافع؛ لأنه أخرجه باختياره، واستوفى عوضه المحرم، فلا يجوز أن يجمع له بين العوض والمعوض، فإن في ذلك إعانة له على الإثم والعدوان، وتيسير أصحاب المعاصي عليه، وماذا يريد الزاني، وفاعل الفاحشة إذا علم أنه ينال غرضه، ويسترد ماله، فهذا مما تصان الشريعة عن الإتيان به، ولا يسوغ القول به، وهو يتضمن الجمع بين الظلم والفاحشة والغدر، ومن أقبح القبيح أن يستوفي عوضه من المزني بها، ثم يرجع فيما أعطاها قهرًا، وقبح هذا مستقر في فطر جميع العقلاء، فلا تأتي به شريعة، ولكن لا يطيب للقابض أكله، بل هو خبيث، كما حكم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن خبثه لخبث مكسبه، لا لظلم من أخذ منه، فطريق التخلص منه، وتمام التوبة بالصدقة به .اهـ.

وقد سئل ابن جبرين: ما هي الكيفية في صرف أرباح الفوائد البنكية؟ هل يتركها للبنك؟ أم يأخذها، ويتصدق بها خوفًا من الناحية الربوية؟

فأجاب: أنا أختار أخذها، والصدقة بها على فقراء المسلمين، ولا إثم عليه ـ إن شاء الله ـ إذا لم يأكلها، ولا تصير ربا على الفقراء، وقال: ويجوز أخذ هذا الجعل الذي يدفعونه كربح، أو فائدة، لكن لا يُدخله في ماله، بل يصرفه في وجوه الخير على الفقراء، والمساكين، والمجاهدين، ونحوهم، فهو أفضل من تركه لمن يصرفه على الكنائس، والدعاة إلى الكفر، والصد عن الإسلام. اهـ.

وأما إهداء الفوائد لغير الفقراء: فلا يعتبر تخلصًا، فلا يجوز لك أخذها، ولا تبرأ ذمة مكتسب الفوائد بإهدائها لك، وراجعي في هذا الفتويين رقم: 157595، ورقم: 152427.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني