الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأصل كراهية الطلاق، وحكم طلب المرأة الاعتداد عند أهلها

السؤال

أنا متزوج، وزوجتي ترغب في الانفصال عني؛ لأنها لم تجد راحتها معي، وذلك لأني فعلا غير سعيد بزواجي منها، وفي قرارة نفسي أريد أن أطلقها إذا شاء الله هذا, ولكني أريد أن تبقى معي بعض الوقت؛ لعلي أحسن لها قبل الطلاق إذا قدر الله وشاء. وكذلك أريد أن تعتد عندي على شرع الله، وقد قالت لي: لا عليك من هذا، ودعني أعتد عند أهلي، وهي الآن عند أهلها منذ مدة طويلة.
سؤالي: هل ألح عليها وعلى أهلها؟ وهل أدخل معهم في شجار أو أغصبهم لكي أجلبها أو أعظها، وأكلمها. فإن أبت فهذا شأنها، علما بأني فعلا إن شاء الله أرغب في فراقها مع الأسف إن شاء الله؟
أفتونا ما هو العمل؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا ننصحك بالطلاق لمجرد عدم السعادة في الحياة الزوجية، فالأصل في الطلاق الكراهة إلا لمسوغ شرعي، لا سيما إذا حققت بزواجك مقاصد النكاح الشرعية من تحصين الدين، والعفاف، والأولاد. والسعادة أمر وجداني نسبي، وقد تتحقق في وقت دون وقت، وتشترك فيها عوامل كثيرة، وبالتالي فينبغي أن لا تناط بها مسألة الطلاق الذي هو من أبغض الحلال عند الله.

قال الشيخ ابن عثيمين: الأصل في الطلاق أنه مكروه، ولو قيل: الأصل أنه محرم لم يبعد، ويدل لهذا قول الله تبارك وتعالى في الذين يؤلون من نسائهم، قال: فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:226-227]. وختم الآية بهذين الاسمين: سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:227] وقوله: وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ [البقرة:227] يشعر بأن الله جل وعلا لا يحب هذا؛ لأن الفيئة -وهي الرجوع للمرأة بعد أن حلف ألا يجامعها- قال فيها: فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:226]. وهذا واضح في أن الله تعالى يحب أن يرجع هذا الذي آلى، وأما إن عزم الطلاق فإنه يشعر بأن الله تعالى يكره ذلك؛ لقوله: فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:227]. ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق) وهذا الحديث ليس بصحيح، لكنَّ معناه صحيح، أن الله تعالى يكره الطلاق، ولكنه لم يحرمه على عباده للتوسعة لهم، فإذا كان هناك سبب شرعي، أو عادي للطلاق صار ذلك جائزاً، وعلى حسب ما يؤدي إليه إبقاء المرأة. إن كان إبقاء المرأة يؤدي إلى محظور شرعي لا يتمكن رفعه إلا بطلاقها، فإنه يطلقها، كما لو كانت المرأة ناقصة الدين، أو ناقصة العفة وعجز عن إصلاحها، فهنا نقول: الأفضل أن تطلق، أما بدون سبب شرعي، أو سبب عادي فإن الأفضل ألا يطلق، بل إن الطلاق حينئذٍ مكروه. اهـ من (لقاء الباب المفتوح).
وعليه؛ فنوصيك بأن لا تتسرع في طلاق زوجتك، وأن تنظر في أسباب النفرة التي وقعت بينكما لعلاجها، على أنه لا يجوز لها البقاء عند أهلها بغير إذنك، وإلا كانت عاصية ناشزة، فإن كنت ترجو بعودتها لبيت الزوجية تصالحا وتوافقا، فاسترجعها من أهلها، فإن أبوا فاستعن بأهل الحل والعقد من عشيرتها، وإلا فالقضاء.
وإن لم ترج منها تصالحا وتوافقا، وانقطعت رغبتك فيها تماما، وأبيتما إلا الفراق التام، فلا داعي إلى أن تخاصم فيها أحدا.

وحيث إنها راغبة في أن تعتد عند أهلها، فالأوفق أن تعرض عليها الخلع بأي عوض كان، فكل ما صح صداقا، صح عوضا، والمختلعة تعتد حيث شاءت على الصحيح من أقوال أهل العلم، كما بيناه في الفتوى رقم: 191523.

وعدتها كالمطلقة؛ كما أوضحناه في الفتوى رقم: 210700 .

كما أن الخلع يجوز في الحيضة عند جمهور أهل العلم؛ كما بيناه في الفتوى رقم: 54440. فإن أبت الخلع فطلقها على السنة ومرها أن تعتد في بيتك، فإن أبت فالإثم عليها، وليس عليك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني