الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم التدرج في التوبة وتطبيق العبادات

السؤال

سمعت أحد الناس يقول بأنه إذا أراد الإنسان أن يتوب فعليه بالتدرج، حتى لا يمل ويعود إلى الذنب، فهل هذا صحيح؟ وهل يجوز التدرج في تطبيق العبادات بعد التوبة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالواجب على كل مسلم أن يتوب على الفور من جميع الذنوب، ولا يجوز له أن يبقى مصرًّا على ما يعلم أنه معصية لله تعالى، قال الله عز وجل: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور:31}.

قال ابن القيم - رحمه الله -: الْمُبَادَرَةَ إِلَى التَّوْبَةِ مِنَ الذَّنْبِ فَرْضٌ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا، فَمَتَى أَخَّرَهَا عَصَى بِالتَّأْخِيرِ. انتهى.

فإن كان المقصود بالتدرج أنه يجوز للعبد أن يتوب من بعض الذنوب، ويؤخر التوبة من بعضها، فهذا خطأ بلا شك، والإنسان لا يدري متى يدركه الأجل، فلعل المنية تصادفه قبل أن يتدارك بالتوبة ذنبه الذي أخر التوبة منه، فيكون على شفا هلكة ـ والعياذ بالله ـ ومن ثم، فالواجب على كل مسلم أن يتلافى ذنوبه بتوبة عاجلة شاملة، جاء في دليل الفالحين: ويجب إجماعًا عندنا معاشر أهل السنة أن يتوب من جميع الذنوب، أي: ولو صغائر، قال تعالى: توبوا إلى الله توبة نصوحًا ـ {التحريم: 8}.

فمن تاب من ذنب وترك آخر لم يتب منه، فإن توبته من ذلك الذنب صحيحة، وهو خير من أن يصر على الذنبين جميعًا ولكنه لم يأت بجميع الواجب عليه، بل بقي عليه إثم ما أصر عليه، قال النووي - رحمه الله -: وإذا تابَ مِنْ ذنبٍ، فينبغي أن يتوبَ من جميع الذنوب، فلو اقتصرَ على التوبة من ذنب صحَّت توبتُه منه، وإذا تابَ من ذنب توبةً صحيحةً ـ كما ذكرنا ـ ثم عادَ إِلَيْهِ في وقت، أثم بالثاني، ووجب عليه التوبة منه، ولم تبطلْ توبتُه من الأوّل، هذا مذهبُ أهل السنّة، خلافاً للمعتزلة في المسألتين. انتهى. هذا عن التدرج في التوبة من الذنوب.

وأما التدرج في تطبيق العبادات بعد التوبة: فإن كان المراد به أن يفعل الشخص بعض الواجب عليه، ويترك بعضًا بدعوى التدرج، فهذا باطل، بل يجب على كل مسلم أن يفعل جميع ما أوجبه الله عليه ما لم يكن عذر يمنعه من فعله، فإن ترك القيام ببعض الواجب مع القدرة فهو غير تائب توبة نصوحًا، وعليه إثم ما ترك فعله من الواجبات.

أما إن كان المراد أن يتدرج في فعل النوافل، بحيث يمرن نفسه عليها شيئًا فشيئًا، فيلزمها ما لا يحصل له الملل بفعله، فإذا اعتادته نفسه، وتمرنت عليه زادها وهكذا، فهذا أمر حسن، وهذا من سياسة النفس ورياضتها حتى تتحلى بالفضائل، وتتخلى عن الرذائل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا، وقاربوا، وأبشروا. أخرجه البخاري.

قال الحافظ في الفتح: قَوْلُهُ: فَسَدِّدُوا، أَيِ: الْزَمُوا السَّدَادَ، وَهُوَ الصَّوَابُ مِنْ غَيْرِ إِفْرَاطٍ وَلَا تَفْرِيطٍ، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: السَّدَادُ التَّوَسُّطُ فِي الْعَمَلِ، قَوْلُهُ: وَقَارِبُوا ـ أَيْ: إِنْ لَمْ تَسْتَطِيعُوا الْأَخْذَ بِالْأَكْمَلِ، فَاعْمَلُوا بِمَا يُقَرِّبُ مِنْهُ، قَوْلُهُ: وَأَبْشِرُوا، أَيْ: بِالثَّوَابِ عَلَى الْعَمَلِ الدَّائِمِ، وَإِنْ قَلَّ. انتهى.

فالتدرج في إلزام النفس بالمستحبات والنوافل شيئًا فشيئًا لا بأس به، وأما الفرائض والواجبات فلا بد من فعلها، والإتيان بها على وجهها ما لم يكن عذر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني