الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

هل الحكم بالنار على أعيان موتى المشركين من لوازم التوحيد؟ وهل يصح ذلك الحكم شرعا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد :

فنقول ابتداء: يجب على المسلم أن يعتقد بأن كل من دان بغير دين الإسلام، ومات على ذلك بأنه كافر مخلد في النار، للآيات الكثيرة الدالة على ذلك. ومنها: قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ {البينة:6} , وهذا الاعتقاد من لوازم الإيمان , فإن من آمن بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا لزمه أن يصدق الله تعالى، ويصدق رسوله صلى الله عليه وسلم في كل ما أخبر به , ومما أخبر به خلود الكافرين في النار , وهذا على سبيل العموم في الكافرين .

وأما الكافر المعين فإنه لا يقطع بأن فلان بن فلان سيدخل النار إلا بنص خاص فيه، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى : الشهادة بالنار على نوعين: عامة وخاصة. فالعامة: أن نشهد على عموم الكفار بأنهم في النار، ودليلها قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا} . والخاصة: أن نشهد لشخص معين بالنار، وهذا يتوقف على دليل من الكتاب والسنة مثل أبي لهب وامرأته، ومثل أبي طالب، وعمرو بن لحي الخزاعي ... اهــ .

وقال أيضا : مات رجل ونحن نعرف أنه مات على النصرانية حسب ما يبدو لنا من حاله، هل نشهد له بالنار، لا نشهد؛ لأنه أولاً إن كان من أهل النار فسيدخل ولو لم نشهد، وإن لم يكن من أهل النار فشهادتنا شهادة بغير علم، فمثل هذه المسائل لا داعي لها .. اهــ .

وسئلت اللجنة الدائمة : هل نقول لليهودي أو النصراني الذي يعيش بين المسلمين، أو الذي قد سمع كثيرا عن الإسلام والقرآن والنبي صلى الله عليه وسلم، عندما يموت إنه ذاهب إلى النار، مع أنه مات على يهودية أو نصرانية ولم يبدلها، أو نتورع به كما نتورع في المسلم العاصي المصر على الكبائر ثم مات بعد ذلك أنه تحت مشيئة الله جل وعلا؟ أفتونا مأجورين.

فأجابت بقولها : مذهب أهل السنة: أنه لا يحكم على معين بأنه من أهل النار أو من أهل الجنة، إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكننا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء، ولا يعلم الخواتيم وعواقب الأمور إلا الله سبحانه وتعالى، مع العلم بأن اليهود والنصارى كفار، وكل من مات على الكفر فهو من أهل النار، كما أن كل من مات على الإيمان بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم فهو من أهل الجنة، كما قال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} الآية من سورة التوبة ، وقال تعالى في شأن الكفار: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} , وبالله التوفيق . اهـــ

وهذا لا يؤثر على ما تقدم من الحكم على من دان بغير دين الإسلام بأنه من أهل النار عموما، فقد ذكر العلماء أنه لا يشهد لمعين بالنار إلا من شهد له الوحي بذلك، مع القطع بأن كل من مات كافرا فهو من أهل النار، قال شيخ الإسلام رحمه الله: المنصوص عن أحمد الذي قرره الخلال: اللعن المطلق لا المعين، كما قلنا في نصوص الوعيد والوعد، وكما نقول في الشهادة بالجنة والنار، فإنا نشهد بأن المؤمنين في الجنة، وأن الكافرين في النار، ونشهد بالجنة والنار لمن شهد له الكتاب والسنة، ولا نشهد بذلك لمعين إلا من شهد له النص، أو شهد له الاستفاضة على قول. اهـــ .

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني