الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معنى أثر يحيى بن معاذ: من سر بخدمة الله سرت الأشياء بخدمته..

السؤال

مامعنى هذه المقولة؟ قال يحيى بن معاذ: من سر بخدمة الله سرت الأشياء بخدمته، ومن قرت عينه بالله قرت عين كل أحد بالنظر إليه.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن أثر يحيى بن معاذ ذكره الإمام ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان في معرض حديثه على علامات صحة القلوب حيث قال رحمه الله : ومن علامات صحة القلب أنه لا يزال يضرب على صاحبه حتى ينيب إلى الله ويخبت إليه ، ويتعلق به تعلق المحب المضطر إلى محبوبه ، الذي لا حياة له ولا فلاح ولا نعيم ولا سرور إلا برضاه وقربه والأنس به ، فبه يطمئن ، وإليه يسكن ، وإليه يأوي ، وبه يفرح ، وعليه يتوكل ، وبه يثق ، وإياه يرجو ، وله يخاف ، فذكره قوته ، وغذاؤه ، ومحبته ، والشوق إليه حياته ونعيمه ولذته وسروره ، والالتفات إلى غيره والتعلق بسواه داؤه ، والرجوع إليه دواؤه ، فإذا حصل له ربه سكن إليه واطمأن به ، وزال ذلك الاضطراب والقلق ، وانسدت تلك الفاقة ، فإن في القلب فاقة لا يسدها شيء سوى الله تعالى أبدا ، وفيه شعث لا يلمه غير الإقبال عليه ، وفيه مرض لا يشفيه غير الإخلاص له ، وعبادته وحده ، فهو دائما يضرب على صاحبه حتى يسكن ويطمئن إلى إلهه ومعبوده ، فحينئذ يباشر روح الحياة ، ويذوق طعمها ، ويصير له حياة أخرى غير حياة الغافلين المعرضين عن هذا الأمر الذي له خلق الخلق ، ولأجله خلقت الجنة والنار ، وله أرسلت الرسل ونزلت الكتب ، ولو لم يكن جزاء الأنفس وجوده لكفى به جزاء، وكفى بفوته حسرة وعقوبة ، انتهى كلامه ثم ذكر بعده بقليل أثر يحيى بن معاذ المشار إليه .

ومعنى الأثر : (من سر بخدمة الله سرت الأشياء بخدمته ) ؛ أي أن من أحب طاعة الله، والقيام بحق عبوديته، والتقرب إليه، وسر بذلك ، فإن المخلوقات تسر به وبخدمته ، فيظهر أثر ذلك في تيسر انتفاعه بها ومعالجته لها ، بخلاف الإنسان العاصي ، وكما َقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِنِّي لَأَعْصِي اللَّهَ فَأَرَى ذَلِكَ فِي خُلُقِ دَابَّتِي، وَامْرَأَتِي.

وقد ذكر ابن القيم أن من عقوبات الذنوب والمعاصي: تَعْسِيرُ أُمُورِهِ عَلَيْهِ، فَلَا يَتَوَجَّهُ لِأَمْرٍ إِلَّا يَجِدُهُ مُغْلَقًا دُونَهُ أَوْ مُتَعَسِّرًا عَلَيْهِ، وَهَذَا كَمَا أَنَّ مَنْ اتقى اللَّهَ جَعَلَ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا، فَمَنْ عَطَّلَ التَّقْوَى جَعَلَ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ عُسْرًا. انتهى.
وأما قوله: (من قرت عينه بالله قرت عين كل أ حد بالنظر إليه) ، فيقول الحافظ ابن حجر: " قُرَّة الْعَيْن يُعَبَّر بِهَا عَنْ الْمَسَرَّة وَرُؤْيَة مَا يُحِبّهُ الْإِنْسَان وَيُوَافِقهُ , يُقَال ذَلِكَ لِأَنَّ عَيْنه قَرَّتْ أَيْ سَكَنَتْ حَرَكَتهَا مِنْ التَّلَفُّت لِحُصُولِ غَرَضهَا فَلَا تَسْتَشْرِف لِشَيْءٍ آخَر , فَكَأَنَّهُ مَأْخُوذ مِنْ الْقَرَار , وَقِيلَ : مَعْنَاهُ أَنَام اللَّه عَيْنك وَهُوَ يَرْجِع إِلَى هَذَا , وَقِيلَ : بَلْ هُوَ مَأْخُوذ مِنْ الْقَرّ وَهُوَ الْبَرْد أَيْ أَنَّ عَيْنه بَارِدَة لِسُرُورِهِ , وَلِهَذَا قِيلَ دَمْعَة الْحُزْن حَارَّة , وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ فِي ضِدّه أَسْخَنَ اللَّه عَيْنه" اهـ
فمن سر بالله جل وعلا وأنس به وبمناجاته والقرب منه ، ألقى الله محبته في قلوب الخلق فأنسوا به وسروا برؤيته.

يقول ابن عباس رضي الله عنهما: إن للحسنة ضياء في الوجه، ونوراً في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق. وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق.والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني