الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الزواج ممن أسلمت وتابت من الزنا والتعدد دون علم بقية الزوجات

السؤال

هل من الصواب الزواج من غير مسلمة ـ نصرانية أو بوذية ـ بعد إسلامها وتوبتها من الزنا؟ لأنه من الصعب جداً إيجاد كافرة عفيفة عذراء للزواج بها في هذا الزمان، ولن يرضى الزوج بالزواج حتى تدخل الإسلام أولاً؟ علماً بأن النية أن يكون هذا الزواج زواج مسيار تتنازل فيه الزوجة عن النفقة والسكنى والقسم ـ المبيت المنتظم ـ فربما جاء الزوج لبضعة أيام أو أسابيع لزوجته كل بضعة شهور أو كل سنة، لأن الزوجة لديها وظيفة وتعمل ولا تحتاج النفقة والسكن، ويكون الزواج دون علم أهل الزوج ـ تفادياً للرفض أو المشاكل ـ مستوفياً للشروط من ولي المرأة والشهود والمهر؟.. وهل يجوز الزواج من اثنتين أو ثلاث زوجات بهذه الطريقة بحيث لا يعلم أحد من أهل وأقارب ومعارف الزوج بهذا الأمر، بل ولا تعلم كل واحدة من الزوجات عن زواج الزوج من الأخرى؟ وهل هذا الزواج مما يبتغى به وجه الله تعالى؟ أم أنه من تزيين الشيطان؟ ولا ينوي الزوج الإنجاب إطلاقاُ لا ممن يتزوجهن بهذه الطريقة ولا من غيرهن ممن يمكن أن يتزوجهن بالطريقة التقليدية وبحصول الإشهار ومعرفة الجميع، وذلك لثلاثة أسباب:
أولاً: وجود اضطراب نفسي مزمن عند الزوج يؤثر على الحياة والإنتاج بشكل أساسي، ولا علاج له إلا بالعيش على الأدوية طوال الحياة في الغالب، واحتمال انتقال هذا الاضطراب إلى الأبناء بالوراثة ممكن.
ثانياً: فساد الزمان، وهو نفسه ـ الزوج ـ حقيقة قد عانى كثيراً من ذلك، ولا يريد أن ينجب في مثل هذا الزمان، ويعلم أن من العلماء من أجاز ذلك.
ثالثاً: نية الزوج الخروج للجهاد بنفسه دون رجعة في أقرب فرصة تتيسر له ـ بإذن الله تعالى ـ ولا يريد أن يترك أيتاماً وراءه لا سيما إن كان الجميع يجهل أمر زواجه كما في حالة زواج المسيار دون إخبار أحد من معارف الزوج، فهل يأثم الزوج إن نوى أو فعل ذلك ـ أقصد عدم الإنجاب ـ وينافي ذلك التوكل على الله تعالى؟ والفائدة من هذا الزواج دخول الكافرة إلى لإسلام ـ إذ لا زواج قبل ذلك ـ حيث إن المسلم بإمكانه الزواج من مسلمة بهذه الطريقة، ولكنه يريد الزواج من غير المسلمة لينال أجر إسلامها، لأنه يشترط إسلامها قبل الزواج، وكذلك من الفوائد إعفاف الزوج والزوجة.
وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فسنجيب عن هذه الأسئلة في النقاط التالية:

النقطة الأولى: يجوز الزواج من المرأة التي أسلمت بعد أن كانت كافرة، ولا يضر كونها كانت قبل ذلك زانية، فإن الإسلام يهدم ما قبلها، قال تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ {الأنفال:38}.

وثبت في صحيح مسلم عن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله.

فإذا استقام أمرها وحسنت سيرتها جاز الزواج منها، ولكن يجب استبراء رحمها من ماء الزنا، وننبه إلى التريث في الزواج من حديثة العهد بالإسلام حتى يتم التأكد من أن الإسلام كان رغبة في الدين والتزاما بشعائره، فمن النساء ـ كما هو الحال في الرجال أيضا ـ من يدخل في الإسلام للرغبة في الزواج فقط، فإذا نال ما يطلب وقضى شهوته ظهرت حقيقة أمره وتسود المشاكل في الحياة الزوجية، ومن هنا قد يكون الزواج من المسلمة الصالحة الموثوق بها أولى.

النقطة الثانية: إذا صح الزواج وتوفرت شرائطه كان زواجا صحيحا، فلا يؤثر عليه كونه زواج مسيار، وتنازل المرأة عن شيء من حقوقها لا بأس به، فيرجع الأمر فيه إليها، وراجع الفتوى رقم: 3329.

النقطة الثالثة: لا حرج على الزوج في أن يتزوج امرأة أو أكثر من امرأة، إلى أربع، ولا يشترط أن يعلم بذلك أي من زوجاته أو أهله، فله أن يخفيه عنهم جميعا.

النقطة الرابعة: كون الزوج يبتغي بزواجه وجه الله أو لا يبتغي به وجه الله يتوقف على نيته هو، ففي الصحيحين عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى.

ولا يكون الزواج من تزيين الشيطان إلا إذا كان فيه مخالفة لطاعة الرحمن.

النقطة الخامسة: الإنجاب حق للزوجين، فلا يجوز لأي منهما أن يمنع الآخر منه بغير إذنه، ومن هنا جاء النهي عن العزل عن الحرة إلا بإذنها، وبين العلماء أن من حكمة ذلك أن فيه حرمانها من كمال الاستمتاع عند الجماع إضافة إلى منعها الولد وهو حق لها، وللمزيد يمكن مراجعة الفتوى رقم: 136053.

ولا حرج في قطع الإنجاب لمدة مؤقتة برضا الزوجين لمصلحة شرعية، ونظر الفتوى رقم: 16855.

وما ذكر من أمر نية الخروج للجهاد ليس بعذر شرعي يقطع به الإنجاب، ولا بأس بقطع الإنجاب مؤقتا بسبب فساد الزمان، فقد نص بعض أهل العلم على جواز العزل عن المرأة الحرة ولو بغير رضاها عند فساد الزمان والخوف من ولد السوء، ففي حاشية ابن عابدين وفي الفتاوى: إن خاف من الولد السوء في الحرة يسعه العزل بغير رضاها لفساد الزمان فليعتبر مثله من الأعذار مسقطا لإذنها. اهـ

وفي مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر: لأن الحرة لا يباح العزل فيها بلا رضاها بالإجماع، وقالوا في زماننا يباح لفساد الزمان. اهـ.

ولكن ينبغي أن لا يعول على ذلك في منع الإنجاب، وخاصة إن كان المسلم مقيما في بلاد المسلمين ففيها من الخير الكثير، فلا يكون الخوف من ولد السوء باعثا على سد باب الإنجاب بالكلية، فقد يرزق المرء بأولاد صالحين، وقد يرزق بالصالح مع غيره, وهذا كله بيد الله وحده، فالرغبة في عدم الإنجاب والحالة هذه قد تقدح في التوكل، والإثم من عدمه يتوقف على وجود العذر من عدمه، وهذا كله فيما يتعلق بمنع الإنجاب مؤقتا، وأما قطع الإنجاب بالكلية: فلا يجوز إلا لضرورة، وانظر الفتوى رقم: 31968.

ويلزم إعلام المخطوبة بما يعاني منه الخاطب من المرض النفسي المزمن، في قول جماعة من أهل العلم، وكتمان ذلك يعد غشا لها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني