الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يجوز شرعًا مخالفة قوانين العمل التي تسنها البلاد وعدم الالتزام بها؟

السؤال

فصلني صاحب العمل فجأة، بعد تعرضي لمرض، مخالفًا بذلك قانون العمل، وأرسلت له ملخصًا بباقي مستحقاتي من الراتب، والتأمينات الاجتماعية الخاصة بي - المعاشات الاجتماعية -، حيث إن الشركة لم تسجلنا بعد في التأمينات، ولكن مبلغ التأمينات يخصم من الراتب كل شهر، وهذا موجود على نظام المرتبات، فأرسلت إليه تسوية بملغ التأمينات الخاصة بي الذي خصم مني، ولم يدفعه لي في التأمينات، فقال لي: إنه ليس لي الحق في هذا المال؛ لأنه لم يتفق معي على أن يؤمن عليّ في التأمينات الاجتماعية، فقلت له: هذا ليس عرضًا، بل هذا حق إجباري كفلته الدولة لكل موظف، يجب على كل صاحب عمل أن يؤمن على أفراد شركته؛ وبما أنك لم تؤمن، وتخصم المبلغ من الرواتب، فهذا المبلغ حقي، فأخبرني بأن القوانين التي تسنها الدولة لا يلتزم بها؛ لأنها ليست ولي أمر شرعي لنا كي نأتمر بها، وأنه لا يلتزم إلا بما شرعه الله ورسوله؛ لأن الله وحده هو الذي يشرع، أما القانون فهو لا يلتزم به، كما أنه يضع تلك المبالغ - مبالغ التأمينات المخصومة - على نظام الرواتب بشكل صوري وهمي، وليس بشكل حقيقي؛ للتجربة على حد قوله، فقلت له: إن الفتوى الشرعية بيني وبينه وهي التي ستفصل بيننا في ذلك الأمر، فهل يجوز شرعًا مخالفة القوانين التي تسنها البلاد بخصوص العمل، والتهرب منها، وعدم الالتزام بها؟ خصوصًا تلك القوانين التي تحمي حقوق العباد من أموالهم، وصحتهم، وأليست تلك من مقاصد الشريعة؟ وهل حقًّا الدولة ليست ولي أمر شرعي لنا نأتمر به - كما قال لي -؟ وهل يجوز لي أن آخذ مبلغ التأمينات الخاص بي المقتطع من راتبي، طالما لم يدفعه لي في التأمينات، وتهرب من قانون الدولة؟ ثم إن عدم تأمينه عليّ سبب لي أضرارًا معنوية أخرى، كحفظ بياناتي بالمسمى الوظيفي الخاص بي بعدد سنين خبرتي، وذلك يسجل رسميًا في وزارة التضامن الاجتماعي؛ مما يسهل استخراج أوراقي وإثباتها، أما مع عدم التأمين، والتسجيل في كل هذا، فلا أستطيع استخراج ورقة رسمية من الدولة به، وهذا ما حدث بالفعل؛ لأني طلبت منه أن أثبت المسمى الوظيفي الخاص بي في بطاقتي، وأن يختم أوراقي بختم الشركة، فرفض وتهرب؛ لأنه لم يسجلني في التأمينات، وسأكون دليلًا على تهربه لو ختم لي الورق؛ مما عرضني لضرر كبير بسبب عدم استطاعتي تسجيل أوراقي، وبياناتي رسميًا، فما التوجيه - جزاكم الله خيرًا –"؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمسائل المنازعات، وقضايا الخصومات، لا يمكن الاكتفاء فيها بالسؤال عن بعد، أو الحكم بناء على سماع طرف واحد، وإنما يرجع في ذلك إلى المحاكم الشرعية - إن وجدت - أو الجهات المختصة في ذلك، وإلا فمشافهة أهل العلم بها.

لكن للفائدة نجمل الجواب عما سألت عنه فيما يلي:

قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ {المائدة: 1} والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: المسلمون على شروطهم. رواه أبو داود.

والعقد هو شريعة المتعاقدين، وقانون العمل يُعتبر كالعرف، ويُحكَّم عند الاختلاف بين المؤجر والمستأجر، إذا لم يصرح في العقد بخلافه؛ لأن المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا.

فإن كانت هناك بنود صريحة تخالف ما جرى عليه عرف العمل، فالذي يلزم رب العمل هو ما تعاقد عليه مع الأجير، لا ما جرى به العرف؛ لأنه إنما يعتبر العرف والعادة عند عدم التصريح بخلاف ما يدلان عليه، وبمعنى آخر إنما يعتبر العرف حيث لا شرط، أما مع وجود الشرط فيعمل به.

جاء في المبسوط: إنما تعتبر العادة عند عدم التصريح بخلافها. اهـ.

وننبه على أنه لا حرج في التعامل مع القوانين واللوائح التي لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية - كالقوانين الإدارية التي يراد بها تنظيم الأعمال، والحفاظ على الحقوق، وتحصيل مصالح الناس ـ وإنما المحرم من ذلك ما يستلزم مخالفة الشريعة.

ومهما يكن من أمر، فلا بد من رفع القضية إلى الجهات المختصة للفصل فيها، وحسم النزاع، وإعطاء كل ذي حق حقه، أو مشافهة أهل العلم بها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني