الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إذا دافع المسلم الوساوس، ولم يترتب عليها قول أو عمل، فإنها لا تضره

السؤال

بحثت عن معنى كلمة في القرآن، ونظرت في المعجم فلم أجدها، فشككني الشيطان في القرآن، فارتبت لدرجة أنني لم أستطع أن أجزم هل أنا مكذب بما وسوس لي به الشيطان، هذا وحدث مثله عند آية: "يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئًا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب" فوُسوس لي بأن المشركين وغيرهم يزعمون بأن آلهتهم هي التي خلقت ذلك، فشككت، واعتبرت نفسي كافرًا، ونطقت بالشهادتين، فما هو سبيل تقوية العقيدة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الوساوس بلاء وشر مستطير، وهي من كيد الشيطان لإغواء الإنسان، روى الإمام أحمد، وأبو داود عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أحدنا يجد في نفسه يعرض بالشيء، لأن يكون حممة أحب إليه من أن يتكلم به، فقال: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة.

وهذا الحديث يدل على أنه يجب على المسلم مدافعة هذه الوساوس، وعدم الالتفات إليها، وإذا قام المسلم بمدافعتها، ولم يترتب عليها قول أو عمل، فإنها لا تضره، بل كان رفضه لها علامة خير فيه، روى مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان.

وننصح السائل بالإعراض عن هذه الوساوس، وأن يرفق بنفسه، ولا يحملها فوق طاقتها، ولا يجعل للشيطان عليها سبيلًا، فإن الوسوسة مرض شديد، وداء عضال، والاسترسال معها يوقع المرء في الحيرة، والشك، والضيق، وانتبه لهاتين النصيحتين النافعتين:

الأولى: قول النووي ـ رحمه الله ـ في الأذكار: أنفع علاج في دفع الوسوسة الإقبال على ذكر الله تعالى، والإكثار منه، وقال السيد الجليل أحمد بن أبي الحواري: شكوت إلى أبي سليمان الداراني الوسواس، فقال: إذا أردت أن ينقطع عنك، فأي وقت أحسست به فافرح، فإنك إذا فرحت به انقطع عنك؛ لأنه ليس شيء أبغض إلى الشيطان من سرور المؤمن، وإن اغتممت به زادك، قلت: وهذا مما يؤيد ما قاله بعض الأئمة: إن الوسواس إنما يبتلى به من كمل إيمانه، فإن اللص لا يقصد بيتًا خربًا. انتهى.

والثانية: قول ابن حجر الهيتمي ـ رحمه الله ـ وقد سئل عن داء الوسوسة، هل له دواء؟ فأجاب بقوله: له دواء نافع، وهو الإعراض عنها جملة كافية، وإن كان في النفس من التردد ما كان، فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت، بل يذهب بعد زمن قليل كما جرب ذلك الموفقون، وأما من أصغى إليها، وعمل بقضيتها فإنها لا تزال تزداد به حتى تخرجه إلى حيز المجانين، بل وأقبح منهم، كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها، وأصغوا إليها وإلى شيطانها... فتأمل هذا الدواء النافع الذي علمه من لا ينطق عن الهوى لأمته، واعلم أن من حرمه فقد حرم الخير كله؛ لأن الوسوسة من الشيطان اتفاقًا، واللعين لا غاية لمراده إلا إيقاع المؤمن في وهدة الضلال، والحيرة، ونكد العيش، وظلمة النفس وضجرها، إلى أن يخرجه من الإسلام، وهو لا يشعر: "إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا... وذكر العز بن عبد السلام، وغيره نحو ما قدمته، فقالوا: دواء الوسوسة أن يعتقد أن ذلك خاطر شيطاني، وأن إبليس هو الذي أورده عليه، وأنه يقاتله، فيكون له ثواب المجاهد؛ لأنه يحارب عدو الله، فإذا استشعر ذلك فر عنه. انتهى.

وينبغي التنبيه إلى الفرق بين الشك والوسوسة، فالوسوسة هي ما يهجم على القلب بغير اختيار الإنسان، فإذا كرهه العبد ونفاه، كانت كراهته صريح الإيمان، وانظر الفتويين رقم: 22055، ورقم: 7950.

وأما سبيل تقوية العقيدة: فمن أهم أساب تقويتها معرفة أسماء الله الحسنى، وصفاته العلا، ودعاؤه بها، ومطالعة كتب أهل العلم في ذلك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني