الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علق الطلاق بتكليمها امرأة معينة، فاتصلت بصديقتها فردت عليها المرأة، فهل طلقت؟

السؤال

سألتني إحدى الأخوات عن مسألة التراجع عن الطلاق المعلق قبل وقوعه، فذكرتُ لها قول الجمهور، وهو عدم جواز التراجع عن الطلاق المعلق قبل وقوع ما علق عليه الطلاق، وما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية من أن له أن يتراجع عنه قبل حصول ما علق عليه، وتلزمه كفارة يمين، وهو قولٌ لبعض الحنابلة، وذكرتُ لها ترجيحكم لمذهب الجمهور، فأفادت السائلة أنَّ زوجها علق طلاقها على حديثها مع امرأة معينة، ثم سمح لها بالحديث معها فيما بعد، قبل وقوع ما علق عليه الطلاق؛ ولكنها امتنعت عن الحديث معها خشية وقوع الطلاق، ثم اتصلت السائلة بصديقة لها، فكانت المفاجأة أنَّ التي ردت على الهاتف هي تلك المرأة التي عُلِّقَ طلاقُ السائلة على الحديث معها، مع أن السائلة لم تقصد الاتصال بها، بل الاتصال بامرأة أخرى؛ فارتبكت المتصلة ولم تدرِ كيف تتصرف، ثم قالت لها: أعطني فلانًا، والسؤال يتكون من شقين:
أ‌- يظهر من كلام السائلة أنها لم تقصد الحديث مع تلك المرأة، بل وقع ذلك خطأ، كما في فتواكم رقم: 192663، فهل وقع الطلاق؟
ب‌- في حالة عدم وقوع الطلاق، هل لا زالت اليمين منعقدة أم لا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فأكثر أهل العلم على أن الزوج إذا علّق طلاق زوجته على شرط، فإنه لا يملك التراجع عنه.

وإذا تحقق شرطه، طلقت زوجته، سواء قصد الزوج إيقاع الطلاق، أم قصد مجرد التهديد، أم التأكيد، أم المنع، وهذا هو المفتى به عندنا، ويرى بعض أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أن الزوج إذا قصد إيقاع الطلاق عند حصول المعلق عليه، فله أن يتراجع عن التعليق، ولا شيء عليه.

وإذا لم يقصد إيقاع الطلاق، وإنما قصد بالتعليق التهديد، أو التأكيد، أو المنع، فلا يقع الطلاق بحصول المعلق عليه، وإنما تلزمه كفارة يمين لحنثه؛ وانظر الفتوى رقم: 161221.

فعلى المفتى به عندنا تكون هذه المرأة قد طلقت بتكليمها المرأة التي حلف زوجها ألا تكلمها، وانحلت اليمين، وكونها كلمتها بغير قصد لا يمنع وقوع الطلاق عند بعض أهل العلم.

قال ابن قدامة - رحمه الله -: فَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ إنْسَانًا، فَكَلَّمَهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ، فَلَمْ يَسْمَعْ لِتَشَاغُلِهِ، أَوْ غَفْلَتِهِ، حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ كَلَّمَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَسْمَعْ لِغَفْلَتِهِ، أَوْ شُغْلِ قَلْبِهِ، وَإِنْ كَلَّمَهُ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ؛ فَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِالطَّلَاقِ، حَنِثَ، قَالَ أَحْمَدُ، فِي رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ، أَنْ لَا يُكَلِّمَ حَمَاتَهُ، فَرَآهَا بِاللَّيْلِ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟: حَنِثَ، قَدْ كَلَّمَهَا.

وبعض أهل العلم يرى عدم الحنث في هذه الحال، وقد رجحنا هذا القول في فتاوى سابقة؛ وانظر على سبيل المثال الفتوى رقم: 139800.

وعلى أية حال، فإن كان الزوج قد نوى بيمينه منعها من تكليم المرأة قصدًا، وليس منعها مطلقًا، فلا يقع الطلاق في هذه الحال؛ لأن النية في اليمين تخصّص العام، وتعمّم الخاص؛ وانظر الفتوى رقم: 35891.

وفي هذه الحال تكون اليمين باقية لم تنحل، فإذا كلمت الزوجة المرأة على الوجه الذي نواه الزوج، وقع طلاقها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني