الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الترغيب في السعي لقضاء حوائج الناس مسلمهم وكافرهم

السؤال

قرأت في كتاب: لا تحزن. أنه إن أردت أن تشعر بسعادة، وانشراح الصدر، فعليك بمساعدة الآخرين.
فهل هذا الكلام حق حتى لو لم أفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله، وحتى إن فعلت المساعدة لشخص غير مسلم؟ وما هي أنواع المساعدة؟
وهل كل شخص سيشعر بسعادة حتى لو كان غير مسلم، وفعل خيرا متعديا، أو غير متعد نفعه للآخرين؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن مساعدة الناس من أعظم أعمال البر، ومن أفضل أعمال الخير، وهي نوع من الإحسان، والإحسان سبب لمحبة الله تعالى لعبده، وإذا أحب الله عبده أسعده، وأعطاه مرغوباته؛ فقد قال الله تعالى: وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {البقرة:195}. وقال سبحانه: إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ {الأعراف:56}.
وقد ورد الترغيب في السعي في قضاء حوائج الناس، كما في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما، ستره الله يوم القيامة.

وفي صحيح مسلم ومسند أحمد وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
ومن أنواع المساعدة ما جاء في الحديث: أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخ في حاجة، أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد - يعني مسجد المدينة- شهراً. رواه الأصبهاني وابن أبي الدنيا وحسنه الألباني.

والمسلم يؤجر على فعل الخير للناس، ومساعدتهم جميعا مسلمهم وكافرهم، كما تقدم في الفتوى رقم: 12798.

ولكن حق المسلم أعظم، ومساعدته أفضل؛ وانظر الفتوى رقم: 45297.

وهذه الأعمال الحسنة التي لا تفتقر إلى نية التعبد، يجد المسلم الثواب عليها ولو لم ينو التقرب إلى الله بذلك، نظرا لكونها ذات نفع متعد، فإن نوى بها التقرب إلى الله، عظم أجره.

يقول ابن عثيمين رحمه الله: والنفع المتعدي يعطى الإنسان أجره على ما انتفع به الناس، كالمزارع التي يزرع فيها شجر، فتأكل منها الطير والسباع، رغم أن صاحبها معه البندقية التي يروع بها الطير، لكيلا تأكل إلا نادرا، لكن إذا أكلت منها، فله بذلك أجر. فالنفع المتعدي فيه خير حتى لو لم ينو، أرأيت قول الله تعالى: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة، أو معروف، أو إصلاح بين الناس ـ وقوله: ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما {النساء: 114}. فجعل الله ـ سبحانه وتعالى ـ الخيرية بهذه الثلاثة مطلقا، ولو لم ينو الإنسان التقرب إلى الله، وأن الأجر العظيم لمن يتقرب بالفعل إلى الله، فالأشياء التي لها نفع متعد لها حال خاصة. اهـ.

وقد يجد الكافر أثرها في الدنيا، ويشعر بالسعادة؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الكافر إذا عمل حسنة، أطعم بها طعمة من الدنيا، وأما المؤمن فإن الله يدخر له حسناته في الآخرة، ويعقبه رزقاً في الدنيا على طاعته. رواه مسلم عن أنس.

قال النووي: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ الَّذِي مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ، لَا ثَوَابَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَلَا يُجَازَى فِيهَا بِشَيْءٍ مِنْ عَمَلِهِ فِي الدُّنْيَا، مُتَقَرِّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَصَرَّحَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنْ يُطْعَمَ فِي الدُّنْيَا بِمَا عَمِلَهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ، أَيْ: بِمَا فَعَلَهُ مُتَقَرِّبًا بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا لَا يَفْتَقِرُ صِحَّتُهُ إِلَى النِّيَّةِ، كَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْعِتْقِ، وَالضِّيَافَةِ، وَتَسْهِيلِ الْخَيْرَاتِ وَنَحْوِهَا. اهـ.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني