الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مناقشة الزعم بأن رطوبة فرج المرأة لا تنقض الوضوء

السؤال

قرأت كتابا للدكتورة رقية المحارب حول رطوبة المرأة فوجدت أدلتها مقنعة، ونحن معشر النساء نعاني من الإفرازات في كل وقت وليس هذا بمرض بل هو من الطبيعي أصلا للمرأة، وأقوى دليل أقنعتني به: الصحابيات ـ رضي الله عنهن ـ من نفس جنسنا ولم يرد عنهن مثل هذه الأسئلة للنبي صلى الله عليه وسلم ولم يرد أن إحداهن قد قطعت الصلاة بسبب الإفرازات وأعادت وضوءها خاصة الصلوات الطويلة مثل التراويح، قرأت أقوال العلماء الذين قالوا بأنها تنقض ولم أر دليلا قطعيا على ذلك، أما أقوال من قال إنها لا تنقض فيعتبر أقوى، والذي لم يتطرق له العلماء أن هذه الإفرازت أصلا من طبيعة المرأة وأنها مفيدة لترطيب المنطقة ولا أدري لماذا يقال بأنها تنقض الوضوء، فهذه الإفرازات ليست كسلس البول ولا تُصنف بأنها مرض أصلا، فسلس البول لو ذهبت إلى المستشفى فسأجد له علاجا، أما لو ذهبت وقلت لدي إفرازات، فسيقال لي: ليس لديك مرض، وهذه هي طبيعة جسم المرأة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد تطرقنا لهذه المسألة مرارا، وناقشنا هذا الطرح مبينين أنه لم يقل أحد من العلماء فيما نعلم بعدم انتقاض الوضوء بتلك الرطوبات قبل ابن حزم، والأصل أننا لا نقول بقول إلا أن يسبقنا إليه أحد الأئمة المشهورين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وكل قول ينفرد به المتأخر عن المتقدمين ولم يسبقه إليه أحد منهم، فإنه يكون خطأ، كما قال الإمام أحمد بن حنبل: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام. انتهى.

وبه تعلمين أن كل ما تورده تلك الباحثة الفاضلة أو غيرها في هذا الأمر مما يسمى استدلالا مما لا ينبغي الاشتغال بالنظر فيه أو الجواب عنه ما دام الأمر -كما وصفنا- من أنه لم يذهب إلى هذا القول ذاهب من أهل العلم المتقدمين، ومحال أن تجتمع الأمة على ضلالة، ويمكننا عكس هذا الدليل بأن نقول إن الفقهاء ينصون عبر العصور على انتقاض الوضوء بكل خارج من السبيل ولم نر منهم من استثنى تلك الرطوبات، وقد قال النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ: لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ مَنْ أَحْدَثِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ: مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: فِسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ.

وهذا من أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ تنبيه بالأدنى على الأعلى، فكأنه أراد أن يبين أن كل خارج من السبيل ناقض للوضوء بطريق الأولى، قال الزرقاني في شرح الموطأ: وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بِهِمَا تَنْبِيهًا بِالْأَخَفِّ عَلَى الْأَغْلَظِ، وَأَنَّهُ أَجَابَ السَّائِلَ بِمَا يَحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَتِهِ فِي غَالِبِ الْأُمُورِ، وَإِلَّا فَالْحَدَثُ يُطْلَقُ عَلَى الْخَارِجِ الْمُعْتَادِ، وَعَلَى نَفْسِ الْخُرُوجِ، وَعَلَى الْوَصْفِ الْحُكْمِيِّ الْمُقَدَّرِ قِيَامُهُ بِالْأَعْضَاءِ قِيَامَ الْأَوْصَافِ الْحِسِّيَّةِ، وَعَلَى الْمَنْعِ مِنَ الْعِبَادَةِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ. انتهى.

وعلى كل تقدير، فالذي نفتي به ونرى أنه لا يسوغ خلافه هو ما قررناه مرارا من كون هذه الرطوبات ناقضة للوضوء، ثم إن كان خروجها مستمرا فحكم صاحبتها حكم صاحبة السلس، والمالكية لا يرون انتقاض الطهارة بالحدث الدائم ـ كما هو معلوم ـ ولتنظر الفتوى رقم: 141250.

ثم إن الراجح طهارة هذه الرطوبات، كما وضحناه في الفتوى رقم: 110928.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني