الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عندما تطلب مني أمي شيئًا أشعر بالضيق الداخلي، فهل ذلك من العقوق؟

السؤال

سمعت قصة عن رجل أدخله الله النار مع أنه كان لا يترك أمه تمشي على الأرض، وكان يحملها دائمًا ويخدمها، ولكن أدخله الله النار؛ لأنه كان عندما يجلس وحده يدعو الله أن تموت، وسؤالي: لأنني أخاف من عقوق الوالدين، وأريد أن أجتهد بقدر استطاعتي في خدمة أمي وإرضائها؛ حيث ليس لها غيري، ونحن نعيش معًا بمفردنا، وهي مسنة، ولكن عندما تطلب مني شيئًا من داخلي أحس أني مخنوق، ولا أريد أن أقوم من كسلي، وأحس أني أريد أن أنفخ، وأحيانًا عندما أراها مقبلة أقول داخل نفسي: "يا رب ما تجيء تمر من هنا" ليس لكرهي لها، ولكن لأني متأكد أنها ستطلب مني حاجات، مثل الشاي، أو الإفطار، أو غيره، أو أي طلب، وهي طلبات بسيطة، لكني أتضايق من نفسي بعدها، وأقول: إنها تعبت من أجلي كثيرًا، وخصوصًا أنها ليست كأي أم تعبت في تربية ابنها، ولكنها واجهت العديد من المشاكل بسببي، وحتى الآن أعتمد عليها في حاجات كثيرة تتحملها عني، وأستغفر ربنا، وأتذكر أيضًا قول الله عز وجل (ووصينا الإنسان بوالديه) وأقول: وصية ربنا، وأيضًا في الحاجات التي لا تحتاج منا مجهودًا ولا مالًا أتكاسل عن عملها، ومع كل هذا لا أستطيع طرد هذا التفكير عني، كلما طلبت مني حاجة، وعندما أتضايق أكتفي بالاستغفار فقط، فهل من طريق لإبعاد تلك الأحاسيس عني؟ وهل يحاسبني الله عليها؟ أم تعد من حديث النفس الذي لا يحاسب الله عباده عليه؟ وهل موقفي مثل موقف الرجل الذي كان يدعو على أمه؟ وهل من شيء عليّ غير الاستغفار للتوبة عما يأتي في خاطري؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإذا كنت تجتهد في إرضاء أمك وخدمتها، ولا تقصر في ما يجب عليك تجاهها، فلا يضرك ما تجده، ولا ما تقوله في نفسك من غير أن تتلفظ به، ولا أن تظهره لها؛ فإن الخواطر وحديث النفس مما عفا الله عنه، خاصة إذا كرهها الإنسان ونفر منها، واجتهد في دفعها والتخلص منها، وراجع للفائدة عن ذلك الفتوى رقم: 135420.

فالمؤاخذة والتبعة لا تكون بمجرد شعور القلب، وخواطر النفس، طالما أن أثر ذلك لا يظهر على الجوارح بالتأفف، أو عبوس الوجه، ونحو ذلك، وراجع للفائدة الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 108898، 105707، 23716، 73405. هذا على وجه العموم.

وأما بخصوص حالك، فقد ظهر لنا من سؤالك أن الكسل، وإيثار الراحة هو ما يسبب لك ذلك الشعور المذموم، وأما والدتك فمطالبها لا تخرج عن حد المعتاد، ولا تكلفك جهدًا ولا مالًا! بل أنت مع يعتمد عليها ـ رغم طعنها في السن ـ في كثير من حاجاتك، هذا مع كونها واجهت العديد من المشاكل بسببك! فمثلها ينبغي أن يُحمل فوق الرؤوس، وأن يُرد له الجميل، وأن يُعوض عن تعبه وكدِّه، لا أن يستثقل المرء قضاء حوائجها، ويتكاسل في أداء مطالبها؛ فإن ذلك من لؤم الطبع، وسوء الخلق.

ونعيذك بالله تعالى أن تبدل نعمة الله كفرًا، وأن تحل نفسك دار البوار بإغضابها، أو التقصير في حقها، أو التهاون بواجبك نحوها، أو الإساءة إلى مشاعرها، فليس هناك أحد أحق بحسن الصحبة منها، ويتأكد هذا في حال ضعفها عند بلوغ الكبر، وراجع الفتويين: 110611، 11649.

واعلم ـ يرحمك الله ـ أن والدتك هذه بابك إلى الجنة، وأنك لن تستطيع أن تقوم بحق الله تعالى حتى تؤدي حقها، فاجتهد أشد الاجتهاد في برها، والإحسان إليها، قال المناوي في فيض القدير: اعلم أن الله تعالى قد عظم شأن الوالدين، وقرن حقهما بحقه، وشركه بواو العطف في قوله {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} لأن الله تعالى خلق الولد وصوره، وأخرجه إلى الدنيا ضعيفًا لا حيلة له، ثم قيض له أبويه فتكفلا بتربيته؛ لأنه لا قوام له بنفسه، فلم يزالا يربيانه حتى أوصلاه إلى حد يقوم بنفسه، ولو تركاه ونفسه هلك، فكانا سبب تمام خلقه ونشأته، فالله هو الخالق المصور حقيقة، وهما المنشآن له مجازًا، فلذلك لا يقدر أحد أن يقوم بحق أبويه؛ فإن من كان سبب نشأتك كيف تفي بحقه أو تفي بشكره؟! ولذلك قرن تعالى عقوقهما بالشرك به، كما قرن طاعتهما بطاعته، ولما كان الشرك لا يغفر عظم قدر العقوق لاقترانه به، فمن بر والديه فقد بر ربه؛ لأن في برهما بره للاشتراك المتقدم، ومن عقهما فقد عقه. اهـ.

وأما القصة التي ذكرتها في بداية سؤالك، فلم نقف عليها في ما اطلعنا عليه من مصادر.

وعلى أية حال فتمني موت الأم ـ فضلًا عن الدعاء به ـ لا يجوز, وهو نوع من العقوق، وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 188769، 36474، 67939، 59562.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني