الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ماذا يلزم من دفع الدَّين لأبيه كاملا ثم أنكر الأب؟

السؤال

أريد حكم تعامل الابن مع والده الظالم، وحكم تعامل زوجة الابن مع والد زوجها الظالم. فعندما تزوجت زوجي؛ استدان والد زوجي مبلغًا من المال من صديق له، وتزوجنا، وذهبت للعمل في السعودية أنا وزوجي، وكنا كل شهر نحول لوالد زوجي مبلغًا من المال؛ ليقوم هو بتحويله لصديقه الذي استدان منه، وكان المبلغ حسب قدرتنا المالية، أحيانًا نحول 4000 آلاف ريال، وأحيانًا 3000 آلاف، وهكذا، حسب ما نستطيع، إلى أن انتهينا من سداد المبلغ كاملًا خلال عام ونصف، علمًا أن زوجي مثقل بديون أخرى غير هذه، وحالته المالية صعبة، وعندما كنا نعمل أول سنة، لم تكن لدينا حسابات بنكية لمشاكل تتعلق بالإقامة، والسعودة، وما إلى ذلك، إلى أن فرج الله علينا، وأصبحت لنا إقامات، وحسابات، وأصبحنا نحول منها، ووالد زوجي أنكر إنكارًا تامًا أن المبلغ تم تحويله له، وأنه لم يصله منه سوى القليل فقط، علمًا أننا أنهينا المبلغ كاملًا، ويستدل والد زوجي بأن المال لم يصل، بأن الحوالات من حساباتنا إلى حسابه قليلة، وهو يعلم أننا لم نكن نملك حسابات بنكية في ذلك الوقت؛ لذلك كنا نحول له من حسابات أناس آخرين، وأحيانًا نعطيه المبلغ باليد عندما يتاح ذلك، وقد عملت مع زوجي لمساعدته على سداد هذا الدين ليل نهار، وكان عملي حتى منتصف الليل، وتعبت جدًّا لننهي السداد لهذا الرجل؛ حتى نبدأ بسداد ديون أخرى على زوجي، والآن بكل بساطة ينكر أخذه للمال، بسبب تحريض زوجته الدائم له على أخذ المال من أبنائه، علمًا أن والدة زوجي متوفاة منذ زمن، وأنا لا أطيق ظلمه لي، ولزوجي على هذا الحال، فكيف أتعامل معه كزوجة لولده؟ وما حكم تعامل ولده معه؟ علمًا أنه يريد منا دفع المبلغ مرة أخرى زورًا وبهتانًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

أما السائلة الكريمة، فقد أحسنت، وأجملت في إعانة زوجها على سداد الدين الذي على أبيه، ومن تمام معاشرتها لزوجها بالمعروف، دوام صبرها على سوء معاملة أبيه، ومطالبته بما ليس له بحق، فإن من أدب الإسلام مقابلة السيئة بالحسنة؛ قال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ {المؤمنون:96} وقال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ. {الزمر:10}.

ومثل ذلك يقال في حق الابن.

وفي خصوص مسألة الدين: فإنه إذا ثبت سداده، فإن المدين يكون قد برئت ذمته منه؛ فليس عليه ديانة أن يدفعه مرة أخرى، ولا تجوز مطالبته به.

غير أن مسألة ثبوت الدين مسألة قضائية لا دخل للفتوى فيها؛ لأنها تفتقر إلى المرافعة، والاستماع إلى الخصمين، والتحقيق في الحجج، وما يصحب ذلك من البينات، والأيمان، وغيرها...

فإذا استمر والد زوجك في إنكار اقتضائه للدين منكم، وطالبكم به عند القضاء، فليس أمامكم إلا تقديم ما عندكم من الأدلة، والحجج، والبينات، وتقدير قبول ذلك، أو رفضه هو من اختصاص القاضي.

ويجب العلم بأنه لو ثبتت براءة زوجك من الدين، فإن ذلك لا يسقط شيئًا من وجوب بره لأبيه، ولو كان الأب ظالمًا ومعتديًا؛ فإن حق الوالد على الولد عظيم، وقد أوجب الله دوام بر الأب، وحسن صحبته فيما لو جاهد ابنه على الإشراك بالله العظيم، فأحرى إذا كان الأمر دون ذلك.

قال الشيخ السعدي في تفسير قوله تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان:15}: ولم يقل: "وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فعقهما" بل قال: {فَلا تُطِعْهُمَا} أي: بالشرك، وأما برهما، فاستمر عليه؛ ولهذا قال: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} أي: صحبة إحسان إليهما بالمعروف، وأما اتباعهما وهما بحالة الكفر والمعاصي، فلا تتبعهما. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني