الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل الأفضل أداء الصلاة في وقتها أم التهيؤ لأدائها ولو أدى لتأخيرها؟

السؤال

سؤالي في الطريقة الصحيحة في التعامل مع الصلاة المفروضة، هل الأفضل التركيز على أداء الصلاة، بالحرص على عدم فوات أي صلاة، وقضاء أي صلاة تفوت، فيكون التركيز على الأداء العملي للصلاة أكثر من الخشوع في الصلاة، وإن أدى ذلك إلى هبوط قيمة الصلاة لدى الفرد بحيث يكون الهدف مجرد أدائها والتخلص والراحة منها؟
أو التركيز على الاهتمام بالصلاة، بحيث يتم تهيئة الوقت لإمكانية أداء الصلوات الخمس في وقتها، فتكون الأولوية لتهيئة النفس للصلاة،
فإن جاء وقت الصلاة، ولم يكن مهيئًا فلا يصلي حتى يهيئ نفسه، وإن أدى ذلك إلى تأخير الصلاة حتى بعد وقت خروجها، ويكون التركيز على أداء الصلاة بشكل عام، وليس بشكل خاص، وبشكل عام يحاول الشخص تكييف حياته لأداء الصلوات الخمس، ولكن لا يهتم إن فاتته بعض الصلوات، وقد لا يهتم بقضائها في بعض المرات، وقد تمر بعض الأوقات لا يصلي فيها، ليس تكاسلًا أو جحودًا، ولكن بسبب حرصه على عدم أداء الصلاة إلا وهو في أفضل حال، وأفضل هيئة، وفي كامل الاقتناع والرغبة في الصلاة، فيحاول أن يربي نفسه بالصلاة بدل أن يهتم بأدائها جميعها دائمًا، فيختار أن يلتزم بالصلاة عندما يرى بنفسه أن ذلك سيؤثر بشكل إيجابي على حياته ونفسه، ولا يصلي إن رأى العكس، فيحاول أن يلتزم بدينه ويلتزم بصلاته وهو مقتنع به، وليس لمجرد أن "هذا ما يجب أن أفعله لأني مسلم" أو أن "هذا يفعله المسلمون" أو "هذه هي العادة الإسلامية التي يفعلها الناس"، فيكون مشتغلًا ليس بأداء الصلاة، ولكن بإقناع نفسه بفائدة وقيمة وأهمية الصلاة، ويستخدم الصلاة لإصلاح نفسه عندما يحتاج ذلك؟ فأي هذه الطريقتين هي الطريقة الصحيحة، أو الطريقة الأفضل للتعامل مع الصلوات الخمس المفروضة، وليس السنن التطوعية؟ أو أي واحدة من هذه الطريقتين هي الأقرب للصواب؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الخشوع هو روح العبادة، وصلاة بلا خشوع كجسد بلا روح، وقد اهتم الإسلام بأمر الخشوع، وأعلى من شأنه، فقال الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ {المؤمنون:2،1}، ويتجلى ذلك أيضًا في قوله عليه الصلاة السلام: لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان. رواه مسلم، وغيره.

وفي سنن أبي داود عن أبي أمامة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل وهو حاقن. قال الشيخ الألباني: صحيح.

وفي الصحيحين عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة، فابدؤوا بالعشاء، ولا يعجل حتى يفرغ منه.

وهذه الأدلة ونحوها إنما تدل على عظم منزلة الخشوع، واهتمام الشارع الحكيم بتحقيقه، والمحافظة عليه، وقد ذكرنا بعض ما يعين على الخشوع في الفتويين: 28951، 43250، وما أحيل عليه فيهما.

ومع ذلك فالواجب أداء الصلوات في أوقاتها؛ فإنهن فرائض جعل الله عز وجل حدًّا لأول أوقاتهن وآخره، فقال سبحانه: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً [النساء:103]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: صل الصلاة لوقتها. رواه مسلم، وقال عليه الصلاة والسلام: أما إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى. رواه مسلم.

فقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم تأخير الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى تفريطًا؛ أي: إضاعة، وذلك لا يجوز إلا في الحالات التي رخص فيها الشرع بالجمع بين الصلاتين، وقد ذكرناها في الفتوى رقم: 6846.

وعلى ذلك فإن دار الأمر بين أداء الصلاة في الوقت بدون خشوع وبين فعلها بعد خروج الوقت بخشوع، فالواجب عند جمهور العلماء تقديم حرمة الوقت، وانظر الفتوى رقم: 134427.

وأما تركك للصلاة بحجة عدم التهيؤ لها، ونحو ذلك، فهذا إنما هو تلبيس واستدراج من الشيطان حتى تنسلخ من الصلاة شيئًا فشيئًا، فاحذر - أيها الأخ الكريم - من كيد الشيطان الرجيم، واحرص على الجمع بين الحفاظ على الصلوات في أوقاتها، وبين أدائها بخشوع، وحضور قلب بقدر المستطاع، وانظر الفتوى رقم: 65622.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني