الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل للولي العضل بسبب لون البشرة؟ وهل يصح النكاح إن زوّجها القاضي؟

السؤال

حكم القاضي بزواج بكر دون موافقة وليها، وهم إخوانها؛ لعضلها من الزواج بشاب كفء، وحجتهم بشرته، فهل لهم الحق في العضل؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالراجح الذي تعضده الأدلة، أن الكفاءة المعتبرة في الزواج إنما هي الدين، فالرجل المسلم المرضي دينه، وخلقه، يتزوج بأي امرأة مسلمة، وراجعي في هذا فتوانا رقم: 998 بعنوان: لا ينبغي للولي أن يرفض خاطبًا ملتزمًا بالشرع.

وإذا رفض الولي تزويج موليته من الكفء بغير سبب معتبر شرعًا، فهذا من العضل المنهي عنه باتفاق: فقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا دَعَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى الزَّوَاجِ مِنْ كُفْءٍ، أَوْ خَطَبَهَا كُفْءٌ، وَامْتَنَعَ الْوَلِيُّ مِنْ تَزْوِيجِهِ دُونَ سَبَبٍ مَقْبُولٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ عَاضِلاً؛ لأِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ تَزْوِيجُهَا مِنْ كُفْءٍ. اهـ. من الموسوعة الفقهية.

والعضل محرم، ففي الموسوعة الفقهية أيضًا: الأْصْل أَنَّ عَضْل الْوَلِيِّ مَنْ لَهُ وِلاَيَةُ تَزْوِيجِهَا مِنْ كُفْئِهَا حَرَامٌ؛ لأِنَّهُ ظُلْمٌ، وَإِضْرَارٌ بِالْمَرْأَةِ فِي مَنْعِهَا حَقَّهَا فِي التَّزْوِيجِ بِمَنْ تَرْضَاهُ، وَذَلِكَ لِنَهْيِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُ فِي قَوْلِهِ مُخَاطِبًا الأْوْلِيَاءَ: {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [ البقرة : 232]. اهـ.

لكن اختلفوا في العضل أكبيرة هو أم صغيرة.

قال الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر: الْكَبِيرَةُ الْخَامِسَةُ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ: عَضْلُ الْوَلِيِّ مُوَلِّيَتَهُ عَنْ النِّكَاحِ، بِأَنْ دَعَتْهُ إلَى أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ كُفْءٍ لَهَا, وَهِيَ بَالِغَةٌ، عَاقِلَةٌ فَامْتَنَعَ، وَكَوْنُ هَذَا كَبِيرَةً هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ، فَقَالَ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْعَضْلَ كَبِيرَةٌ، لَكِنَّ الَّذِي قَرَّرَهُ هُوَ، وَالْأَئِمَّةُ فِي تَصَانِيفِهِمْ أَنَّهُ صَغِيرَةٌ, وَأَنَّ كَوْنَهُ كَبِيرَةً وَجْهٌ ضَعِيفٌ. اهـ.

وإذا عضل الولي، أمره القاضي بإنكاحها، فإن رفض، أنكحها القاضي في قول جمهور الفقهاء، وقيل: تنتقل ولاية النكاح من العاضل إلى الولي الأبعد.

جاء الموسوعة الفقهية: ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا تَحَقَّقَ الْعَضْل مِنَ الْوَلِيِّ، وَثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ، أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِتَزْوِيجِهَا إِنْ لَمْ يَكُنِ الْعَضْل بِسَبَبٍ مَقْبُولٍ، فَإِنِ امْتَنَعَ انْتَقَلَتِ الْوِلاَيَةُ إِلَى غَيْرِهِ، لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ تَنْتَقِل إِلَيْهِ الْوِلاَيَةُ، فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ - عَدَا ابْنَ الْقَاسِمِ - وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْوِلاَيَةَ تَنْتَقِل إِلَى السُّلْطَانِ؛ لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِنِ اشْتَجَرُوا، فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لاَ وَلِيَّ لَهُ ؛ وَلأِنَّ الْوَلِيَّ قَدِ امْتَنَعَ ظُلْمًا مِنْ حَقٍّ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ، فَيَقُومُ السُّلْطَانُ مَقَامَهُ لإِزَالَةِ الظُّلْمِ، كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَامْتَنَعَ عَنْ قَضَائِهِ. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني