الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تغيب الإمام العاجز عن القيام بالإمامة وأخذ الأجرة عليها

السؤال

أنا إمام مسجد راتب، مصاب بمرض الرهاب الاجتماعي. وحينما أتقدم للصلاة لا أستطيع النطق في البداية، وأتأخر كثيرا جدا، وأشعر بمعاناة شديدة لا يعلمها إلا الله، حتى في نطق التكبير نتيجة للقلق والتوتر.
كنت أذهب للمسجد حينما كانت حالتي إلى حد ما مقبولة، أما الآن فلا أستطيع إمامة الناس في الصلاة، وأنا مكلف بإعطاء أربعة دروس في مسجدي.
فهل راتبي الذي آخذه حرام؛ حيث إنني أؤدي خطبة الجمعة، وأقدم أحد الناس ليصلي إماما، ولا أذهب للمسجد في غير يوم الجمعة إلا في يومين في صلاة العشاء فقط، لأعطي الدرس. ولا أريد أن أخبر المسؤولين بحالتي، وأذهب فقط يومين لمسجدي في صلاة العشاء، أقدم أحدا يصلي وأعطي الدرس، وأعطي درسين في مسجد آخر غير مسجدي، وهذا مخالف لقانون الأوقاف، حيث من المفترض أن أعطي دروسي الأربعة في مسجدي.
فما حكم راتبي هل هذا مال حرام أم إنني معذور وأنا أجتهد، وأتقرب إلى الله لعل الله عز وجل أن يشفيني، ولا أستسلم لحالتي؟
وظللت عدة شهور لا أحضر في المسجد إلا الجمعة، وكنت لا أعطي حتى الدروس المفروضة علي.
فما حكم راتبي في هذه الفترة أيضا؟
وجزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله لك الشفاء والعافية، والواجب عليك هو استئذان الجهة المسؤولة، وإخبارهم بمرضك، فإن أذنوا لك بالغياب فبها، وإلا فلا يجوز لك أخذ الراتب دون القيام بالعمل على الوجه المطلوب، ومرضك وعجزك عن القيام بالعمل لا يبيح لك أخذ الراتب دون إذن الجهة المسؤولة.

سئل الشيخ ابن عثيمين: إمام مسجد راتب، تعرض لحادث سيارة، فأصبح مقعداً على السرير قبل خمس سنوات، وما زال المسجد باسمه ويقول: إن الأوقاف عندها خبر من حاله. وقد يصلي عنه أحد أبنائه في إجازته فقط؛ لأن الابن يعمل خارج المنطقة، وقد أناب عنه أحد القادمين؟

فأجاب: نصيحتي لهذا الإمام أن يتقي الله عز وجل، وألا يأخذ المال إلا بحقه، ولا يحل له أن يأخذ من بيت المال عوضاً لم يقم بأداء عمله، والواجب على هذا أن يقدم استقالته، وأن يدع المسجد لمن يستطيع أن يقوم به. ومسألة أن الأوقاف تعلم هذا، لا يكون حجة له عند الله؛ لأن الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء:29]. وكل مال أخذه الإنسان على غير عوض في غير هبة، وهدية ونحوها فإنه أكل للمال بالباطل. فنصيحتي للأخ هذا: أن يقدم استقالته، وأسأل الله تعالى أن يرفع عنه ما نزل به من مرض .اهـ. من اللقاء الشهري.

فالواجب عليك التوبة من الراتب الذي أخذته في الفترة التي غبتها دون إذن.

والأحوط والأورع أن ترد إلى الجهة المسؤولة المقدار الذي يوازي غيابك من الراتب، لا سيما إن كنت تعلم بحرمة صنيعك من قبل.

سئل الشيخ ابن عثيمين: أنا إمام مسجد وخطيب في قرية نائية، تبعد عن مقر سكني ستين كيلو متراً تقريباً أو خمسين، وأنا مدرس في القرية التي أسكن فيها، ولا أستطيع أن أصلي إلا وقت الجمعة فقط خطبة الجمعة، أما بقية الأوقات لا أستطيع، والأوقاف لا علم لها بذلك، وتبعد عني ولا أستطيع السكن، والقرية ليس فيها إلا سبعة بيوت تقريباً، والبقية يأتون من البادية، ما الحكم في الراتب؟

فأجاب: حرام أن تأخذ الراتب وأنت لا تصلي إلا يوم الجمعة؛ لأن الراتب للصلوات الخمس، والجمعة.

السائل: طيب الراتب هذا ؟

الشيخ: الراتب حرام عليك يا رجل، رده للوزارة وقل لهم: ما أصلي إلا يوم الجمعة فقط.

السائل: والذي فات؟

الشيخ: الذي فات إن كنت تدري عن الموضوع، فرده للوزارة .اهـ. من لقاء الباب المفتوح.

وقال الشيخ ابن عثيمين: الواجب على المؤذن إذا كانت وظيفته الأذان أن يؤذن بنفسه، ولا يحل له أن يوكل غيره ويأخذ الراتب، إلا في بعض الأحيان لو غاب لنزهة يوماً من الشهر أو ما أشبه ذلك مما جرت العادة به، فلا بأس، وأما أن يكون منزله بعيداً ويقول: أنا سأقيم من يؤذن وآخذ الراتب، فهذا لا يجوز، حتى لو قدر أن مدير الأوقاف المباشر وافق على ذلك فإنه لا يجوز؛ لأنك لو رجعت إلى ديوان الخدمة، أو ديوان الموظفين لرأيتهم يقولون: لا يجوز، ولا نسمح بهذا.

السائل: لكن هل راتبه جائز؟

الشيخ: لا، لا يجوز أبداً، لا يجوز أن يأخذ الراتب، بل الواجب أن يذهب إلى الجهة المسؤولة ويعلن استقالته، ويدع المسجد. السائل: لكن هل يكون عليه إثم في الماضي قبل العلم؟

الجواب: من الورع أن يردها إليهم، فإن لم يمكن ذلك صرفها في مصالح المساجد. اهـ. من لقاء لباب المفتوح .

وراجع للفائدة الفتوى رقم: 119856 .

وانظر في علاج الرهاب الفتوى رقم:48900

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني