الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل الشاب الذي كان عاصيا ثم استقام ينال ثواب الشاب الذي نشأ في طاعة الله

السؤال

ما هو التعريف الصحيح للشاب الذي نشأ في طاعة الله، هل هو من البلوغ حتى الكهولة أم ماذا؟
وهل من كان عند بلوغه عاصيا، ثم هداه الله يدخل في الحديث المذكور؟ وهل من هبطت إيمانياته، وقل عمله الصالح، ودخلته أمراض القلوب، داخل في هذا الحديث أيضا بعد هدايته أم لا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالظاهر -والله أعلم- أن سن الشاب الذي نشأ في عبادة الله يبدأ من سن البلوغ، وينتهي بانتهاء عمره؛ وذلك لأن المرء قبل البلوغ ليس مكلفا، وإنما عبادته كلها نافلة، ولا تكتب عليه السيئات، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاثة. وذكر: الصغير حتى يحتلم. ولأن بعض طرق الحديث جاء فيها: حتى توفي على ذلك. وفي بعضها: أفنى شبابه ونشاطه في عبادة الله.

وفي خصوص ما إذا كان من كان عند بلوغه عاصيا ثم هداه الله، يدخل في الحديث المذكور أم لا؟ وما إذا كان من ضعف إيمانه، وقل عمله الصالح ودخلته أمراض القلوب بعد هدايته، داخلا في الحديث أم لا؟

فالجواب في هذا أننا لم نقف على شيء صريح فيه، والذي يفيده كلام أهل العلم أن هذين الصنفين لا يدخلان في موعود الحديث الشريف.

فقد جاء في شرح رياض الصالحين لمحمد بن صالح بن محمد العثيمين -رحمه الله-: أما الثاني فهو ((شاب نشأ في طاعة الله))، الشاب صغير السن الذي نشأ في طاعة الله واستمر على ذلك، هذا أيضاً ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؛ لأنه ليس له صبوة، والغالب أن الشاب يكون لهم صبوة، وميل وانحراف، ولكن إذا كان هذا الشاب نشأ في طاعة الله، ولم يكن له ميل ولا انحراف، واستمر على هذا؛ فإن الله تعالى يظله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. اهـ.

وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني: (وشاب) أي: والثاني: من السبعة شاب نشأ في عبادة ربه، يقال: نشأ الصبي ينشأ نشأ فهو ناشئ، إذا كبر وشب. يقال: نشأ وأنشأ إذا خرج وابتدأ، وأنشأ يفعل كذا أي: ابتدأ يفعل، وفي رواية الإمام أحمد عن يحيى القطان: (شاب نشأ بعبادة الله)، وهي رواية مسلم أيضا، وزاد حماد بن زيد عن عبيد الله بن عمر: (حتى توفي على ذلك)، أخرجه الجوزقي. وفي حديث سلمان: (أفنى شبابه، ونشاطه في عبادة الله) . فإن قلت: لم خص الثاني من السبعة بالشباب، ولم يقل: رجل نشأ؟ قلت: لأن العبادة في الشباب أشد وأشق لكثرة الدواعي، وغلبة الشهوات، وقوة البواعث على اتباع الهوى. اهـ.

وجاء في تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي للمباركفوري: (وشاب) خص الشاب لكونه مظنة غلبة الشهوة؛ لما فيه من قوة الباعث على متابعة الهوى فإن ملازمة العبادة مع ذلك أشد، وأدل على غلبة التقوى (نشأ) أي نما وتربى (بعبادة الله) أي لا في معصيته، فجوزي بظل العرش لدوام حراسة نفسه عن مخالفة ربه. اهـ.

وقال المناوي في التيسير: ( وشاب ) خصه لكونه مظنة غلبة الشهوة، ومثله الشابة ( نشأ في عبادة الله ) أي ابتدأ عمره فيها فلم يكن له صبوة. اهـ.

ومع هذا فلا نجزم بعدم دخول صاحب الهفوات، بل ولا صاحب الكبائر إذا تاب منها وحسنت توبته في موعود الحديث الشريف، فعلى الشاب إذا التزم أن يستقيم على شرع الله، ويعوض ما فاته، ولعله يناله فضل الحديث؛ فإن رحمة الله واسعة، وهي قريب من المحسنين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني