الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معنى التشبيه في حديث: كأنه سلسلة على صفوان...

السؤال

سؤال بخصوص قول العلامة الغنيمان عن حديث: إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان .. إلى آخر الحديث.
فقال الشيخ الغنيمان: كثير من الناس لا يجرؤ أن يقول إن هذا تشبيه لكلام الله بجر السلسلة على صفوان، مع أن هذا واضح، وتكلم الرسول به، وهو أعلم الناس بالله، وأتقاهم له. انتهى كلام الشيخ. ونقلته من شرحه على كتاب التوحيد بمركز النخب العلمية، وهذا نصه، فما معنى أن هذا تشبيه لكلام الله، سيما وأن الشيخ لم يوضح أن مقصوده مثلًا أن التشبيه غير التمثيل، أو أنه ينوه عن مسألة القَدْر المشترك، بل أطلق قوله كما نقلته، وأنا أعلم أن الشيخ على علم كبير، وهل سبق الشيخ أحد في ذلك القول. أسألكم؛ لأن الكلام أشكل علي - أسأل الله أن يجزيكم عنا خيرًا -.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فهذا الكلام المذكور ينبغي أن يفهم في ضوء كلام فضيلته في موضع آخر.

فقد قال في شرح آخر لكتاب التوحيد: وهذا تشبيه للصوت المسموع، وليس تشبيهًا لله جلَّ وعلا، وإنما هو للصوت الذي يُسمع، وهذا كقول الرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل: هل نرى ربنا؟ قال: نعم، ترونه كما ترون القمر ليلة البدر، ليس بينكم وبينه سحاب. فشبَّه الرؤية في وضوحها وجلائها برؤية القمر في وقت تمامه وكِبَره، وهنا شبَّه الصوت الذي تسمعه الملائكة كصوت السلسلة التي تُجر على الصفا، ومعنى ذلك: أنهم سمعوا صوتًا لم يميزوا شيئًا من المعاني فيه، وقد علموا أنه صوت كلام الله إذا أمر؛ ولهذا السبب صُعقوا، وصاروا يسألون بعدما زال الصعق عنهم: ماذا قال الله؟ علموا أنه قول الله. اهـ.

ومعلوم أن التشبيه في حديث الرؤية إنما هو تشبيه للرؤية، لا لنفس المرئي، فالظاهر - والله أعلم – أن الشيخ أراد تشبيه الصوت من حيث سماعه لا من حيث ذاته، فيكون تشبيهًا للسماع بالسماع، لا للمسموع بالمسموع، فالشيخ أجلّ من أن يشبه صفة من صفات الله، بصفات خلقه.

وهذا الكلام من الشيخ قد سبقه به غيره، وإن كان ينبغي حمله أيضًا على ما ذكرنا.

فقد قال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم في حاشيته على كتاب التوحيد: أي: كأن صوت الرب المسموع سلسلة على صفوان. اهـ.

ويجدر بالذكر أن العلماء قد تباينت أقوالهم في المراد بالمشبه في الحديث، وهو مرجع الضمير في لفظ (كأنه).

فقال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - في تيسير العزيز الحميد: قوله : (كأنه سلسلة على صفوان) أي: كأن الصوت المسموع سلسلة على صفوان، وهو الحجر الأملس. قال الحافظ: هو مثل قوله في بدء الوحي صلصلة كصلصلة الجرس، وهو صوت الملك بالوحي، وقد روى ابن مردويه من حديث ابن مسعود - رفعه -: إذا تكلم الله بالوحي، سمع أهل السماوات صلصلة كصلصلة السلسلة على الصفوان الحديث.

بينما قال سماحة الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - في القول المفيد: وليس المراد تشبيه صوت الله تعالى بهذا؛ لأن الله {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11]، بل المراد تشبيه ما يحصل لهم من الفزع عندما يسمعون كلامه، بفزع من يسمع سلسلة على صفوان. وأما فضيلة الشيخ صالح الفوزان فيقول: تشبيه لصوت الوحي الذي يأتي إلى المَلَك، أو صوت المَلَك نفسه، بصوت السلسلة إذا جُرّت على حجر أمْلَس. إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد.

وقال الشيخ علي الخضير في المعتصر شرح كتاب التوحيد: كأنه سلسلة: يحتمل في ضمير (كأنه) أمور هي:

1- صوت الرب: فتكون الكاف للتشبيه، تعالى الله عن ذلك.

2- ضرب الملائكة: فيكون صوت ضرب الملائكة أجنحتها مثل صوت السلسلة.

3- الفزع الذي يحصل في قلوب الملائكة، مثل الفزع الذي يحصل حين جر السلسلة على حصاة ملساء.

4- كأن السماع، فيكون تشبيه السماع بالسماع.

أما الاحتمال الأول فهو مشكل ولا يجوز؛ لأن الله عز وجل يقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] فصوت الله لا يُشبّه.

وأما الاحتمال الثاني، والثالث فكلاهما محتمل، وعادة الضمير أن يعود إلى أقرب مذكور.

وأما الاحتمال الرابع فقد اختاره بعض أهل العلم، وهو تشبيه السماع بالسماع؛ لحديث أبي داود: «إذا تكلم الله بالوحي، سمع أهل السماوات صلصلة كجر السلسلة» وهذا الاختيار مثل مسألة تشبيه الرؤية بالرؤية في حديث: «إنكم سترون ربكم كما ترون القمر...» الحديث وهو الراجح.

وقال الشيخ حافظ بن أحمد حكمي في أعلام السنة المنشورة: وهذا تشبيه للسماع بالسماع، لا للمسموع بالمسموع، تعالى الله أن يشبهه في ذاته، أو صفاته شيء من خلقه، وتنزه النبي صلى الله عليه وسلم أن يحمل شيء من كلامه على التشبيه، وهو أعلم الخلق بالله عز وجل. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني