الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسألة سماع الميت، وحكم تلقينه قبل دفنه

السؤال

هل يسمع الميت أصوات المشيعين؟ وما صحة حديث: يسمع قرع نعال المشيعين؟ وماحكم التلقين الذي يلقن في المقابر حيث يقول: سيأتيك ملكان، ويسألانك من ربك؟ وما دينك؟ وما تقول في الرجل الذي بعث فيكم؟ هل يسمع الميت كل هذا الكلام ؟ ففي ليلة أمس دفنا ميتا، وقد لقنه شخص، وكان يكلمه ويقول: والله إنه الآن يسمعني كما تسمعونني، وكان يخاطبه ويقول له: يا فلان أجب الملكين. هل هذا صحيح؟ لكن حسب ما أعرفه أن التلقين يكون قبل الموت للمحتضر، وأما التلقين في المقبرة فإنه بمثابة وعظ للحاضرين وليس للميت.
أفيدونا رحمكم الله.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد وردت أدلة في أن الميت يسمع أصوات الأحياء في بعض الأحوال، من مثل قوله صلى الله عليه وسلم: وإنه ليسمع قرع نعالهم. رواه البخاري ومسلم. ولهما من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قتلى بدر من المشركين: مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَرُدُّوا عَلَيّ شَيْئًا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى: الْمَيِّتَ يَسْمَعُ فِي الْجُمْلَةِ كَلَامَ الْحَيِّ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ السَّمْعُ لَهُ دَائِمًا، بَلْ قَدْ يَسْمَعُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ، كَمَا قَدْ يُعْرَضُ لِلْحَيِّ، فَإِنَّهُ قَدْ يَسْمَعُ أَحْيَانًا خِطَابَ مَنْ يُخَاطِبُهُ، وَقَدْ لَا يَسْمَعُ لِعَارِضٍ يَعْرِضُ لَهُ، وَهَذَا السَّمْعُ سَمْعُ إدْرَاكٍ، لَيْسَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ جَزَاءٌ. انتهى.
وراجع الفتوى رقم: 76850، والفتوى رقم: 204946.
وأما تلقين الميت بعد دفنه فلم يكن من عمل المسلمين المشهور بينهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه، ولكنه أثر عن عدد من الصحابة، وقد اختلفت المذاهب فيه بين الاستحباب والكراهة والإباحة، واختار شيخ الإسلام الإباحة فقد سئل كما في مجموع الفتاوى: هَلْ يَجِبُ تَلْقِينُ الْمَيِّتِ بَعْدَ دَفْنِهِ؟ أَمْ لَا؟ فأجاب رحمه الله: تَلْقِينُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَيْسَ وَاجِبًا، بِالْإِجْمَاعِ. وَلَا كَانَ مِنْ عَمَلِ الْمُسْلِمِينَ الْمَشْهُورِ بَيْنَهُمْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَائِهِ. بَلْ ذَلِكَ مَأْثُورٌ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ؛ كَأَبِي أُمَامَةَ، وَوَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ. فَمِنْ الْأَئِمَّةِ مَنْ رَخَّصَ فِيهِ كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَقَدْ اسْتَحَبَّهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَكْرَهُهُ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ بِدْعَةٌ. فَالْأَقْوَالُ فِيهِ ثَلَاثَةٌ: الِاسْتِحْبَابُ، وَالْكَرَاهَةُ، وَالْإِبَاحَةُ، وَهَذَا أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ. انتهى. وراجع الفتوى رقم: 33657، والفتوى رقم: 43752.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني