الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من شروط صحة الشركة

السؤال

بسم الله والحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى أما بعدسألني رجل صالح من الجزائر يشتغل في ميدان المقاولة ومشاريع البناء وهو رب أسرة بها عجزة ومرضىونظرا لفساد الزمان أصبح يجد حرجا في التعامل مع مستخدمي بعض القطاعات العامة الذين يفرضون على المتعامل أن يشاركوه-بطريقة غير قانونية- في المشروع بدفع بعض أموالهم على جزء شائع من الربح وبطريقة شرعية أقرب ما تكون إلى المضاربة فهل يجوز مثل هذا التعامل؟ أفيدونا رحمكم الله لأن المعني لم يثق بأجوبتي التي أصلتها على قواعد هي :1- قاعدة: الضرورة ورفع الحرج وإسقاطها على حاله.2- قاعدة: كسب مع شبهة خير من سؤال الناس وهي تروى عن الإمام مالك وذكرها الشاطبي في الموافقات 2/99 طبعة دار الفكر تعليق محمد الخضر حسين التونسي-طلب الرزق في شبهة أحسن من الحاجة إلى الناس-3- قاعدة: دفع الظلم عن النفس بالأموال والعلاقات دون الإضرار بالغير.4- قاعدة: وجوب تداول الأموال في الأيدي المؤمنة المتؤضئة.والله أعلم مع خالص تحياتي

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن المضاربة إذا استوفت شروطها وانتفت موانعها صحت. ولمعرفة شروط المضاربة راجع الفتوى رقم: 5480 والفتوى رقم: 10549 والفتوى رقم: 10670
واعلم أن من شروط صحة الشركة عموماً -سواء كانت مضاربة أو غيرها- أن لا يقع إكراه على أحد من الشريكين، قال الشيخ محمد نجيب المطيعي في تكملته على المجموع للنووي -رحمهما الله-: وأما الشريكان فيشترط في كل منهما الرشد والبلوغ والحرية، فلا يصح عقد الشركة من سفيه أو مجنون أو صبي أو رقيق غير مأذون، كذلك لا يصح من مكره أو فضولي.. انتهى.
فإذا كان هؤلاء المستخدمون يكرهون صاحبك على أن يضارب لهم في أموالهم فلا يصح إلا إذا رضي صاحبك بذلك طوعاً، وقد ذكرت في معرض حديثك أنهم يشاركونه بطريقة غير قانونية، ولم تبين ما هي هذه الطريقة، فقد تكون جائزة شرعاً، وقد لا تكون، فإن كانت جائزة شرعاً فلا حرج، وإن لم تكن جائزة شرعاً فالواجب على صاحبك في هذه الحال أن يتحرى الحلال، وأن يعرض عن كل ما هو مخالف للشرع، فإذا فرض أن أبواب الحلال أغلقت أمامه في عمله هذا، فالواجب عليه أن يبحث عن عمل آخر، ورجل بمثل هذه الخبرات لن يعجز إن شاء الله عن إيجاد سبيل آخر للرزق، والله جل وعلا يقول: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً* ويرزقه من حيث لا يحتسب) وإن قيل هنا لا بأس بهذه المعاملة وإن اشتملت على محظور شرعي عملاً بقاعدة الضرورات تبيح المحظورات، فالجواب لا، ذلك لأن الضرورة هي الشدة التي لا مدفع لها، ويمثل لها بأكل الميتة للمضطر، وشرب الخمر لمن أصابته غصة فأشرف على الهلاك ولا يجد إلا الخمر، وجواز دفع الصائل من إنسان أو حيوان، ولو أدى ذلك الدفع إلى قتله، إن لم يمكن الدفع بدونه، وكل ذلك لا ينطبق على حالة صاحبك، إذ يمكنه كما تقدم أن يبحث عن عمل آخر، وإذا سدت أمامه جميع الأبواب وخشي على نفسه وعياله الهلكة والضياع جاز له ذلك العمل، ولكن في حدود ما يدفع عنه الهلكة فقط، لأن القاعدة تقول: "الضرورات تقدر بقدرها" والقاعدة الأخرى تقول: "ما جاء لعذر بطل لزواله"، وقد ذكرت أخي السائل عدة قواعد فقهية لا تنطبق على حالة صاحبك منها -مثلاً- قاعدة: كسب مع شبهة خير من سؤال الناس، أو طلب الرزق في شبهة أحسن من الحاجة إلى الناس، والحال أن صاحبك ليس مضطراً إلى سؤال الناس، وفي الختام نسوق لك قاعدة ينبغي على صاحبك أن يجعلها أمام ناظريه وهي: "طلب الكسب الحلال فريضة بعد الفريضة" ذكرها صاحب موسوعة القواعد الفقهية ثم قال حفظه الله: فلا يجوز لمسلم قادر أن لا يعمل عملاً حلالاً شريفاً يكسب من ورائه عيشه وقوته، وإن لم يفعل وهو قادر فهو آثم. انتهى.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني