الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وجه الجمع بين قوله تعالى: إنك لا تهدي من أحببت. وقوله: وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم

السؤال

كيف يتم دفع التعارض الظاهر بين قول الله تعالى في سورة القصص: إنك لا تهدي من أحببت. وقوله جل في علاه في سورة الشورى: وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا تعارض بين الآيتين، فالهدى المنفي في سورة القصص، غير الهدى المثبت في سورة الشورى؛ إذ الهداية على نوعين: هداية توفيق وإلهام، وهذه لا يقدر عليها إلا الله تعالى، وهي المنفية عن رسوله صلى الله عليه وسلم، المثبتة لله وحده؛ قال تعالى: إنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ. [لقصص:56] .
وهداية إرشاد وبيان، وهي المثبتة للنبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. [الشورى:52 ] .

قال الشيخ الأمين الشنقيطي- رحمه الله- في دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب: إن وجه الجمع بين قوله تعالى: إنك لا تهدي من أحببت. وبين قوله تعالى: وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم: أن الهدى المنفي عنه صلى الله عليه وسلم هو منح التوفيق، والهدى المثبت له هو إبانة الطريق. اهـ.

وقال في الكلام على قوله تعالى: هُدًى لِلْمُتَّقِينَ {البقرة:2}: خصص في هذه الآية هدى هذا الكتاب بالمتقين، وقد جاء في آية أخرى ما يدل على أن هداه عام لجميع الناس، وهي قوله تعالى: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس. الآية [2 185] . ووجه الجمع بينهما أن الهدى يستعمل في القرءان استعمالين: أحدهما عام، والثاني خاص، أما الهدى العام فمعناه إبانة طريق الحق وإيضاح المحجة، سواء سلكها المبين له أم لا، ومنه بهذا المعنى قوله تعالى: وأما ثمود فهديناهم [41 17] ، أي بينا لهم طريق الحق على لسان نبينا صالح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، مع أنهم لم يسلكوها بدليل قوله عز وجل: فاستحبوا العمى على الهدى [41 17] . ومنه أيضا قوله تعالى: إنا هديناه السبيل [76 3] ، أي بينا له طريق الخير والشر، بدليل قوله: إما شاكرا وإما كفورا [76 3] . وأما الهدى الخاص فهو تفضل الله بالتوفيق على العبد، ومنه بهذا المعنى قوله تعالى: أولئك الذين هدى الله. الآية [6] . وقوله: فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام [6 125] . فإذا علمت ذلك، فاعلم أن الهدى الخاص بالمتقين هو الهدى الخاص، وهو التفضل بالتوفيق عليهم، والهدى العام للناس هو الهدى العام، وهو إبانة الطريق وإيضاح المحجة، وبهذا يرتفع الإشكال أيضا بين قوله تعالى: إنك لا تهدي من أحببت [28 56] ، مع قوله: وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم [42 52] ، لأن الهدى المنفي عنه صلى الله عليه وسلم هو الهدى الخاص؛ لأن التوفيق بيد الله وحده. ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا [5 41] . والهدى المثبت له هو الهدى العام الذي هو إبانة الطريق، وقد بينها صلى الله عليه وسلم حتى تركها محجة بيضاء ليلها كنهارها. اهـ

وراجع الفتويين التاليتين:8976- 30758

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني