الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل الدعاء على الظالم وعدم العفو عنه من علامات قسوة القلب

السؤال

عُقِد علي منذ سنة تقريبًا، وكنت زوجة ثانية، وضرتي وحماتي كانتا بشعتين، وكانتا تعاملانني أسوء معاملة، ودعتا علي ليلا ونهارا، وسودتا حياة الحبيب ـ حفظه الله ـ وأخته كانت تعاملني بلين ورفق إلى أن انقلبت هي الأخرى فجأة، وجفتني وكذبت علي فيما يخص زوجي أكثر من مرة لأسباب مادية، فلم نتم الزواج، وطلقني زوجي، ولم يرحم كسري، وتواصلت معي أخته لأنها كانت بالنسبة لي أهونهم، وأسمعتني سم الكلام،
وكذبت في أكثر من موضع لتهينني، وأنا متيقنة من أنها تكذب، وليس محل بسط كذبها هنا، وسؤالي هو: أنا لا أستطيع العفو أبدًا، وما دعوت على أحد لخصومة شخصية قط إلا على هؤلاء، فإنني أدعو عليهن في كل صلاة، كما أدعو أن يرد الله لي الغالي بخير، وكلما توسلت إلى الله وبكيت، وحدثتني نفسي أن الله ربما يجيب دعائي، ويرد لي زوجك إن عفوت، وكلما هممت بقول كلمة عفوت يا رب، أجدني أستمر في الدعاء عليهن والبكاء والنحيب أكثر، والله ظلمنني كثيرًا، وكن السبب في مشاكل لا حصر لها مع زوجي، وعفوت كثيرًا، ويشهد الله لم أقابل إساءتهن إلا بإحسان، أو على أقل تقدير بالتجاهل، وأبدًا لم أرد على واحدة منهن إساءتها حتى لما طلقني فعلًا، وأهانتني أخته ولم ترحمني لأنني كسيرة الفؤاد لم أرد عليها، أعلم أنني لست آثمة بدعائي عليهن، فهل يدل هذا على قسوة قلبي؟! وهل أنا قاسية القلب لأنني لا أستطيع أن أعفو؟ وهل فعلًا ربما يؤخر الله إجابة دعائي وجبر كسري إلى حين يصفو قلبي؟! وماذا لو لم أستطع؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالعفو محبوب لله تعالى، كما قال: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى:40}.

وهو أولى من الانتقام للقادر عليه، كما أوضحناه في الفتويين رقم: 54408، ورقم: 76714.

ولكن الرغبة في الانتقام وإباء العفو ليست دليلا على قسوة القلب، فإن لقسوة القلب علامات ذكرها أرباب القلوب، منها ضعف التأثر بالقرآن، وجمود العين من خشية الرحمن، وقلة الاعتبار بالموت، والسرور بنزول الأذى بالآخرين، كما في موسوعة الأخلاق، إلا أن هذه المشاعر السلبية من إباء العفو والرغبة في الانتقام وشدة الحزن على ما فات عندما تغلب على قلب ابن آدم ويتواصل معها الدعاء على الظالم في كل صلاة قد تتسبب في قسوته، والعفو من مكارم الأخلاق وآداب النفوس التي لا تكتسب إلا بالمجاهدة والرياضة، وحمل النفس على المكاره، وبابه باب الصبر على أذى الخلق، وتنظر في المجاهدة الفتوى رقم: 216973.

ومما يعين على تحصيل ذلك معرفة ثواب العفو وفضله، كما بيناه في الفتوى رقم: 24753.

وأما دعوة المظلوم على ظالمه: فهي مستجابة ولو بعد حين، كما بينته الأحاديث الصحاح المذكورة في الفتوى رقم: 143433.

وذلك إذا توفرت شروط الإجابة وانتفت موانعها، فمن الشروط الإخلاص في الدعاء، ومن الموانع استعجال الإجابة، وأن يدعو المظلوم على الظالم بأكثر مما يستحقه، لأن هذا من الإثم المانع من الإجابة، كما بيناه في الفتوى رقم: 28754.

فإذا تسببت مشاعر العداء نحو الظالم بقيام شيء من الموانع المذكورة، أو تخلف شيء من تلك الشروط كان ذلك سببا في تخلف الإجابة، وينبغي العلم بأن استجابة الدعاء أمر غيبي. وبالتالي، فلا يمكن الجزم بشيء فيها إلا في حدود ما ورد عنها في نصوص الوحي، على أن الاستجابة لا تتعين في تحقيق المطلوب، بل من حكمة الله ورحمته أنه جعل إجابة الدعاء على صور ثلاث، إما تحقيق المطلوب، أو أن يصرف عنه من السوء مثل ذلك، أو أن يدخرها له في الآخرة، وللمزيد في صور الإجابة وشروطها وموانعها تنظر الفتويان رقم: 123662، ورقم: 111052 ، وما أحيل عليه فيهما.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني