الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم لبس الجلابية، وحكم تخفيف جوانب الرأس وإبقاء المقدمة كثيفة

السؤال

ما حكم من فهم من نصوص الدين أن لبس الجلابية يقربه إلى الله تعالى؟ فلو قلت له: لا أفضل الجلابية على القميص، ولا البنطلون على الفنيلة! ولا يوجد شيء اسمه ملابس إسلامية، بل كل ما توفرت فيه الشروط فهو جائز، فهل أخطأت؟ وهو يستدل بحديث فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم: "نهى عن القزع" ويمنع الناس من ترك مقدمة الشعر كثيفة، وترك جانبي الرأس خفيفة، دون حلقها – قصها فقط -بحيث تكون أقل كثافة من المقدمة، ويقول لك: لا بد من ترك الشعر كله في مستوى واحد، ولو تركت مقدمة شعرك كثيفة دون الجانبين ولو لسنتيمتر واحد، فتبوأ مقعدك من النار، فكيف يمكن نصيحة هؤلاء؟ فأنا شخصيًا أرى أن الإسلام دين جاء لإنقاذ البشرية من الضلال، والهلاك، ومع الأسف فبعض المتشددين أصبحوا عقبة، بل صخرة كبيرة في وجه الإسلام، يصدون الناس عن دين الله، فلو أنكرت عليه، وقلت له بأدب: إن هذا الذي تقوله ليس صحيحًا، فهل أنا على حق؟ لأن هذه حالة خطيرة، وجريمة كبيرة ترتكب باسم الدين، وشكرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا ريب في حرمة التقول على الله بغير علم، ومن جملة ذلك أن ينسب إلى دين الله تعالى ما ليس منه، أو أن ينفى عنه ما هو منه! والحاكم في ذلك هو أدلة الشرع الحنيف، والهدي النبوي الشريف، وليس للأذواق، والأهواء مدخل في ذلك.

وأما ما تعرض له الأخ السائل، فتفصيل الكلام فيه كما يلي:

ـ أولًا: لبس القميص ـ وهو ثوب طويل يستر البدن كله، إلى قريب من الكعبين، ويسمى في بعض البلاد بالجلابية ـ من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أحب الثياب إليه، فهو أفضل من غيره، ولكنه غير واجب، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 186589، وراجع في بيان الهدي النبوي في اللباس الفتوى رقم: 19905.

ـ ثانيًا: القزع هو حلق بعض الرأس وترك بعضه، فلا يدخل فيه تخفيف جوانب الشعر؛ إذ الكراهة مخصوصة بالحلق، كما نبهنا عليه في عدة فتاوى، ومنها الفتوى رقم: 24367.

وبذلك يعلم الخطأ في ادعاء حرمة ترك مقدمة الشعر كثيفة دون الجانبين ولو لسنتيمتر واحد، فضلًا عن الحكم بتبوؤ فاعل ذلك لمقعده من النار!! فإن في ذلك مجازفة منكرة؛ فالقزع ليس بمحرم أصلًا، بل هو مكروه عند عامة الفقهاء، ما لم يفعله صاحبه تشبهًا بالكفار. قال النووي: أجمعوا على كراهيته إذا كان في مواضع متفرقة، إلا للمداواة، أو نحوها، وهي كراهة تنزيه. اهـ.

وقال ابن عثيمين: القزع كله مكروه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأي صبيًّا حلق بعض رأسه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يحلق كله، أو يترك كله، لكن إذا كان قزعًا مشبهًا للكفار فإنه يكون محرمًا؛ لأن التشبه بالكفار محرم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: من تشبه بقوم فهو منهم. اهـ.

ـ ثالثًا: كما أن التفريط في الالتزام بطاعة الله، والتفلت من بعض أحكام الشريعة ـ بدعوى الاهتمام بلب الدين دون قشوره، وتقديم كلياته على فروعه ـ باب من أبواب الفتنة في الدين، فكذلك التشدد المذموم، والغلو في الدين، بتحريم الحلال، وتضييق ما وسعه الشرع، مما يصد الناس عن التدين، ويفتنهم في دينهم، ولا بد من المناصحة، والموعظة الحسنة عند حصول شيء من ذلك، فقد يصاب الإنسان في مقتل بتشدده، وجهله بسماحة هذا الدين، فعن جابر قال: خرجنا في سفر فأصاب رجلًا منا حجر، فشجه في رأسه، ثم احتلم، فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء! فاغتسل، فمات، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فقال: قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال. رواه أبو داود، وحسنه الألباني.

وراجع للفائدة الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 47304، 134119، 141423.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني