الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

جامع زوجته قبل الزفاف، ويرتاب فيها ويفكر بطلاقها خشية الدياثة

السؤال

إخواني العلماء الأجلاء: إني في كرب شديد، وأرجو الدعاء لي بتفريج كربي.
مشكلتي كالآتي: منذ أربعة أشهر تقريبا عقدت قراني على فتاة، وحدد حفل الزفاف بعد عام من تاريخ عقد القران، ثم اختليت بها مرات كثيرة، وحدث بيني وبينها جماع، أفضى إلى فض غشاء البكارة.
فسؤالي الأول: هل أعتبر آثما بهذا الفعل، فأنا أخاف أن يسألني الله عن ذلك، علما بأنني قبل العقد الشرعي قرأت كثيرا في فتاوى أهل العلم، وعلمت أن كلامهم يدور بين أن المعقود عليها هي في حكم الزوجة، ويجوز الاستمتاع بها، وبين من يرى أن يرجأ جماعها إلى ليلة البناء مراعاة للعرف. ولو استقبلت من أمري ما استدبرت، لأخذت برأي الفريق الثاني، لكن تسرعت.
الأمر الثاني: المشكلة والطامة الكبرى أني اكتشفت أن الفتاة التي عقدت عليها، تقف في دكان رجل سيئ السمعة، زير نساء (أختي، وابنة خالي رأتاها تقف مع هذا الشخص) علما أن ثمة من أعلمني قبل عقد القران أنها كانت على علاقة به، لكني كذبت ذلك.
المهم أنا بين أمرين أحلاهما مر: بين أن أطلقها، لكن أخشى أن أظلمها بعد أن فضضت بكارتها، وبين أن أبقيها على ذمتي وهذا مستبعد كثيرا، وأكون بذلك قد وقعت في الدياثة والعياذ بالله؛ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث. وكما قال الشاعر:
أصونُ عرضي بمالي لا أدنّسـه *** لا باركَ الله بعد العرضِ في المالِ
أحتال للمـالِ إن أودى، فأكسبه *** ولستُ للعرضِ إن أوْدى بمُحتـالِ
أعينوني يرحمكم الله على تفريج همي، فرج الله عنكم يوم القيامة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

أما الأمر الأول: فغاية ما وقع للسائل أنه خالف العرف بتراض مع الزوجة، وهذا لا حرج فيه، ولا تأثيم؛ لأنها صارت حليلته بموجب العقد، وهو الذي عليه فتاوانا؛ فانظر مثلا الفتوى رقم: 136450 ، والفتوى رقم: 150045.

وأما الأمر الثاني : فلا ينبغي للزوج أن يسارع إلى الطلاق بمجرد الظن المبني على أمارات محتملة بغير بيّنة، لا سيما إذا كانت المرأة في أصلها صالحة. بل الواجب على الزوج أن يناصح زوجه، ويخوفها بالله لتنأى بنفسها عن مواطن الريبة، وتقطع كل علائق الفتنة، فإن من حام حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، كما بيناه في الفتوى رقم : 22368، فإن أصرّت بعد ذلك، فلا خير في استبقائها، وإن تابت واستقامت فليس في استبقائها من دياثة، إنما الدياثة إقرارها على الخبث. كما بيناه في الفتوى رقم: 97034 علما بأن طلاق المدخول بها، لا ظلم فيه إذا وفاها حقوقها؛ إذ الطلاق حق الزوج قبل الدخول وبعده على السواء، ومن أتى حقه فما ظلم، لا سيما إذا ساء صيت المرأة، أو خشي الزوج من أن يلحقه العار باستبقائها.

قال الموفق ابن قدامة في بيان الطلاق المستحب وهو النوع الرابع من أنواع الطلاق الخمسة: وَالرَّابِعُ، مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَهُوَ عِنْد تَفْرِيطِ الْمَرْأَةِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهَا، مِثْلُ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا، وَلَا يُمْكِنُهُ إجْبَارُهَا عَلَيْهَا، أَوْ تَكُونُ لَهُ امْرَأَةٌ غَيْرُ عَفِيفَةٍ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَنْبَغِي لَهُ إمْسَاكُهَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ نَقْصًا لِدِينِهِ، وَلَا يَأْمَنُ إفْسَادَهَا لِفِرَاشِهِ، وَإِلْحَاقَهَا بِهِ وَلَدًا لَيْسَ هُوَ مِنْهُ. اهـ من المغني.

ومن عرف حدود الله فعظمها، وحقوق الخلق فأداها، زالت عنه الهموم، وانكشفت عنه الكروب؛ قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. {الطلاق:2}.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني