الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم ترك الصيام عند الاختلاط بالناس خوفا من الرياء

السؤال

من اعتاد الإكثار من الصيام، مثل صيام داود مضافاً إليه الاثنين والخميس والأيام البيض، وجميع صيام التطوع بفضل الله تعالى، وكان بعيداً في تلك الفترة التي اعتاد فيها الإكثار من الصيام عن أسرته وأقاربه ثم عاد إليهم، فهل الصواب حين العودة إلى الأهل والأقارب أن يستمر على نفس النمط من الصيام دون التفريط في أي يوم ما استطاع ذلك؟ لا سيما أن الوالدين يحبان أن يأكل الابن معهما الغداء، والأقارب ـ وهم كثيرون والحمد لله تعالى ـ سيقومون بدعوة هذا المغترب لتناول الغداء عندهم، وربما يذهب هذا المغترب لزيارة الناس فينزل ضيفاُ عند هذا وذاك، ويقدمون له الطعام والشراب، وكذلك سيأتي عند المغترب الضيوف الذين لابد من إكرامهم بالطعام والشراب، ناهيك عن الأعراس الكثيرة المتتالية التي لا حصر لها، والتي يتم تقديم الغداء فيها دائماً، وجميع من ذكرتهم سينزعجون ويتضايقون إن أخبرهم المرء بصيامه، ولم يتناول معهم أو عندهم الطعام والشراب، هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى سيكون من الصعب جداً إخفاء الصيام عن الناس لما ذكرته سابقاً من كثرة الزيارات والدعوات، وإخفاء الصيام أدعى للإخلاص كما تعلمون، بل سيعلم المجتمع بأسره أن فلاناً كثير الصوم، وهذا ربما يقود المرء إلى العجب أو الغرور، ويسهل دخول الشيطان عليه، فما الحل من الناحية الشرعية، لا سيما والإنسان لا يريد التفريط أو التكاسل فيما بعد إن ترك الصيام الذي اعتاد عليه لفترة طويلة ـ والحمد لله تعالى ـ ويريد العمل بما جاء في الحديث الذي يحث على متابعة الصيام والذي قال فيه الألباني: صحيح لغيره ـ وهو: إن في الجنةِ غرفًا يُرى ظاهرُها من باطنِها، وباطنُها من ظاهرِها، أعدَّها اللهُ لمن ألانَ الكلامَ، وأطعمَ الطعامَ وتابعَ الصيامَ، وصلى بالليلِ والناسُ نيامٌ.
وجزاكم الله تعالى خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يتقبل منك، وأن يعينك على طاعته، فابق على أورادك لا تقطعها لاحتمال الرياء، أو لكونك بين الناس، قال ابن تيمية رحمه الله: ومن كان له ورد مشروع من صلاة الضحى أو قيام ليل أو غير ذلك، فإنه يصليه حيث كان، ولا ينبغي له أن يدع ورده المشروع لأجل كونه بين الناس إذا علم الله من قلبه أنه يفعله سرا لله مع اجتهاده في سلامته من الرياء ومفسدات الإخلاص، ولهذا قال الفضيل بن عياض: ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجل الناس شرك ـ وفعله في مكانه الذي تكون فيه معيشته التي يستعين بها على عبادة الله خير له من أن يفعله حيث تتعطل معيشته ويشتغل قلبه بسبب ذلك، فإن الصلاة كلما كانت أجمع للقلب وأبعد من الوسواس كانت أكمل. انتهى.

وأما قطع الصوم لمصلحة أخرى، كالبر والصلة، وإكرام الناس، فقد بينا جوازه، وأنه منوط بالمصلحة، وراجع الفتوى رقم: 11515.

ويمكنك أن تحاول الأكل مع الوالدين في أيام فطرك، حتى لا يشعرا بالجفاء، ولو أمراك بالفطر لزمك، قال الحسن في رجل يصوم ـ يعني تطوعا ـ فتأمره أمه أن يفطر: فليفطر ولا قضاء عليه، وله أجر الصوم وأجر البر. صحح إسناده الحافظ ابن حجر في الفتح.

وراجع الفتوى رقم: 165713.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني