الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ضوابط جواز أخذ الوالدين من مال أبنائهم

السؤال

حصلت على نصيب من ميراث جدي من ناحية والدتي، وذلك عبر المحكمة الشرعية، كما حصل والدي وأعمامي على نصيبهم، والوالد حاله ميسور ـ والحمد لله من قبل ومن بعد ـ وعندي أسرة ورغم تيسر أمور الوالد وإخوتي من الأب إلا أن الجميع لا يأبهون لحالتي المادية، مع أنني لا أكلفهم رفدا إلا المودة في القربى في التواصل معهم ومحبتهم وجبر خواطرهم، وبعدما تيسرت أموري ولله الحمد والمنة بهذا النصيب الذي وصلني أسقط في يدي أبي مشاريع ضمن مشاريعه كترميم بيوت خاصة به وشراء سيارات لإخوتي، وطلب مني إعانته على الرغم من عدم حاجته لما سأعطيه، والذي وصلني من الميراث لا يقدر بجزء ولو بسيط من أقل حساب من حساباته البنكية، فأعطيته مبالغ مجزئة من نصيبي رغم أنني أحوج لها حيث سددت ما علي من ديون، وبدأت ببناء بيت خاص بي حيث لم يكن لدي بيت سوى ما يخص الأسرة ككل وبرضى الوالد واختياره، ولكنني لاحظت التمادي من والدي في طلباته، فوصلت إلى حد العجز عن إكمال مشروعي مع قدرته وسعة أملاكه وتفضيله لإخوتي من الزوجة الأخرى علي وإغداقه عليهم أمواله وممتلكاته، ورغم العيش الرغيد الذي يعيشون فيه بعكس ما كنت عليه، فلم أسئ إليه أو إلى أحد منهم يوما، وأدعو الله أن يسامح كل حبيب وقريب أخطأ في حقي، فهل من العقوق إذا منعت عن والدي ما تبقى معي من مال، واكتفيت بما قد أخذه؟ أم أحتسب الأجر عند الله وأعطيه بقية ما أملك فوق ما طلبه مني أيضا، وأصر بأن أبيع وسيلة نقل متواضعة أستخدمها وأن أعطيه ثمنها؟ فماذا أفعل؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يجزل لك المثوبة على حرصك على رضا والدك، واعلم أن الإسلام دين وسط، جاء بالعدل، فتعظيم الشرع لحق الوالدين وإيجاب برهما لا يعني إباحة ظلم الآباء بأبنائهم والإضرار بهم.

وأما بخصوص أخذ الأب من مال ابنه: فجمهور العلماء على منعه إلا عند حاجة الأب، والحنابلة الذين سوغوا ذلك من حيث الأصل اشترطوا ألا يكون ذلك مجحفا بالابن أو مضرا به، وألا يأخذ ليعطي ابنا آخر، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الوالد لا يأخذ من مال ولده شيئا إلا إذا احتاج إليه، قال الحنفية: إذا احتاج الأب إلى مال ولده، فإن كانا في المصر، واحتاج الوالد لفقره أكل بغير شيء، وإن كانا في المفازة واحتاج إليه لانعدام الطعام معه فله الأكل بالقيمة، نص على ذلك ابن عابدين، وذهب الحنابلة إلى أن للأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء ويتملكه مع حاجة الأب إلى ما يأخذه ومع عدمها، صغيرا كان الولد أو كبيرا بشرطين، أحدهما: أن لا يجحف بالابن ولا يضر به، ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته، الثاني: أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه ولده الآخر. اهـ.

وانظر الفتوى رقم: 57870.

وعليه، فلا يجب عليك أن تعطي والدك من مالك مادام غير محتاج، لا سيما إن كنت تتضرر بذلك، أو كان والدك سيعطي مالك لابن آخر، ولتضرع إلى الله أن يعطف قلب والدك وألا يسلطه عليك.

وقد سئل ابن عثيمين: هناك بعض من الآباء نجده قاسيا في معاملته لأبنائه معاملة نحس من خلالها بالخوف والفزع، ومنهم من يضرب ويسب ويلعن، وإذا تعدى الابن هذه المرحلة وكبر تغير الحال لأسوأ منها، وجاءت المرحلة الثانية إذا ما تزوجت بنت فلان فإني غير راض عليك، وإذا ما أعطيتني كذا فإني غير راض عليك، وأشياء عدة في هذا المجال، وكل ذلك بحجة: أنت ومالك لأبيك ـ فهل من نصيحة وتوجيه لهؤلاء الآباء فضيلة الشيخ؟ فأجاب: نصيحتي للآباء والأمهات أن يتقوا الله عز وجل في تربية أولادهم من بنين وبنات، وأن يعينوهم على برهم وذلك باللطف والتوجيه السليم وعدم العنف، وليعلموا أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله، وإنه تعالى يعطي على الرفق ما لا يعطيه على العنف ـ وأبلغهم بأن العنف يؤدي إلى القطيعة والعقوق، لأن النفوس مجبولة على كراهة من يسيء إليها، وعلى محبة من يحسن إليها، أما بالنسبة للأولاد فإني أنصحهم بأن يصبروا ويحتسبوا الأجر من الله عز وجل، ويسألوا الله تعالى ألا يسلط عليهم آباءهم وأمهاتهم، وليعلموا أن لكل أزمة فرجا، وأن الله تعالى يجزي الصابرين أجرهم بغير حساب، ثم إذا أمرهم آباؤهم أو أمهاتهم بأمر فيه مشقة عليهم وليس فيه مصلحة للأبوين، أو أمروهم بأمر فيه ضرر في دينهم أو دنياهم، فإنه لا يجب عليهم طاعة الوالدين في ذلك، لأن طاعة الوالدين إنما تجب فيما إذا كان الأمر ينفع الوالدين ولا يضر الأولاد، وليفضلوا دائما جانب الصبر والاحتساب وانتظار الفرج، وليدعوا الله تعالى بذلك، فإن الله تعالى يقول: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني