الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يحاسب العبد عن كل كلمة يقولها؟ وهل من اللغو الحديث عن الرياضة ونحوها؟

السؤال

هل نحن محاسبون عن كل كلمة نقولها، كما جاء في هذا الحديث: كل كلام ابن آدم عليه لا له، إلا أمرًا بالمعروف، أو نهيًا عن منكر، أو ‏ذكرًا لله؟ وهل من اللغو أن نتكلم بشكل كثير أو قليل عن أمور دنيوية، مثل: الرياضة، أو أنواع السيارات، أو إلقاء النكت من باب الترفيه والتسلية، أو التحدث مع الأصدقاء عن مشاكل العمل والأهل؟ وهل يمكن أن تذكروا لنا آفات اللسان مع أمثلة واقعية حتى نتجنبها، فقد سمعت عن الغيبة، والنميمة، والرياء، وشهادة الزور، والفضول، واللغو؟ فأريد توضيحًا واسعًا من فضلكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالحديث المذكور رواه الترمذي، وغيره، وقال عنه: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ ـ وقال عنه الألباني في أكثر كتبه: ضعيف، وحسنه في تحقيق كتاب الإيمان لابن تيمية، كما حسنه حسين أسد في تحقيق مسند أبي يعلى، وعلى ذلك فالحديث مختلف في سنده ومعناه، كما جاء في مرقاة المفاتيح للملا قاري: وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ فِي الْكَلَامِ نَوْعٌ يُبَاحُ لِلْأَنَامِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، وَالتَّأْكِيدِ فِي الزَّجْرِ عَنِ الْقَوْلِ الَّذِي لَيْسَ بِسَدِيدٍ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَفْظُ عَلَيْهِ غَيْرُ مَوْجُودٍ، فَعَلَيْهِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ، وَيَظْهَرُ الْمَقْصُودُ، وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ قَوْلَهُ: لَا لَهُ ـ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: عَلَيْهِ ـ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُبَاحَ لَيْسَ لَهُ نَفْعٌ فِي الْعُقْبَى، أَوْ يُقَالُ: التَّقْدِيرُ كُلُّ كَلَامِ ابْنِ آدَمَ حَسْرَةٌ عَلَيْهِ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِيهِ إِلَّا الْمَذْكُورَاتِ وَأَمْثَالَهَا، فَيُرَافِقُ بَقِيَّةَ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ، وَهُوَ مُقْتَبَسٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ.

وجاء في مرعاة المفاتيح للمباركفوري نقلًا عن ابن القيم: كل كلام ابن آدم عليه: أي: ضرره ووباله عليه، ولو كان مباحًا، فإن أقله تطويل الحساب، وقد يجر إلى المكروه، أو المحرم فيصير سببًا للعذاب، أو يورث الغفلة عن الذكر، فيكون وسيلة إلى نقص الثواب، وقيل: معنى: عليه ـ أي: يكتب عليه: لا له ـ أي: ليس له نفع فيه، أو لا يكتب له ذكره تأكيداً... ولا شك أن المباح ليس له نفع في العقبى، أو يقال التقدير :كل كلام ابن آدم حسرة عليه، لا منفعة له فيه إلا المذكورات وأمثالها ـ فيوافق بقية الأحاديث.

وقال ابن تيمية في الفتاوى: فإذا خاض فيما لا يعنيه، نقص من حسن إسلامه، فكان هذا عليه؛ إذ ليس من شرط ما هو عليه أن يكون مستحقًا لعذاب جهنم، وغضب الله، بل نقص قدره ودرجته.

وقال ابن دقيق العيد في شرح الأربعين: واختلف العلماء في أنه هل يكتب على الإنسان جميع ما يلفظ به، وإن كان مباحاً، أو لا يُكتب عليه إلا ما فيه الجزاء من ثواب أو عقاب، وإلى القول الثاني ذهب ابن عباس، وغيره.

فعلى هذا القول يكون ما ذكرتَ من الأمثلة عن الحديث في الأمور الدنيوية المباحة لا يكتب على العبد، ولا يحاسب عليه إلا إذا تضمن حرامًا، أو ضيع واجبًا، ولكن من ينشغل به عما ينفعه يفوت على نفسه خيرًا كثيرًا، وربما يجره ذلك إلى المكروه أو الحرام.. وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 54871.

وعلى كل حال، فإن الأحوط للمسلم أن يحفظ لسانه عن كل ما لا يعود عليه بنفع ولو كان مباحًا، وعليه أن يعود نفسه على النطق بالخير، والصمت عن الشر، واللغو، وكل ما لا فائدة فيه، كما أرشدنا نبينا صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، حيث قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت. متفق عليه.

وَروى الْعُقَيْلِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: أَكْثَرُ النَّاسِ ذُنُوبًا أَكْثَرُهُمْ كَلَامًا فِيمَا لَا يَعْنِيهِ. حسنه السيوطي عن سلمان موقوفًا.

وأما آفات اللسان: فكثيرة، ومن أخطر أمثلتها: النطق بكلمة الكفر، ومنها سب الله ورسوله، والاستهزاء بالدين، أو بعض شعائره، وما يقع فيه بعض الناس من الكذب، والغيبة، والنميمة، والسب، واللعن، وللمزيد منها انظر الفتوى رقم: 65531.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني