الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحكم ينبني على حالتك عندما لفظت الطلاق في المرة الثانية

السؤال

أنا متزوج منذ حوالي أربع سنوات ونصف، ولدي ولد, مشكلتي هي أنني أتاني وسواس، وبدأت أشك هل قمت بتطليق زوجتي طلقتين، أو ثلاث طلقات.
الشك ينتابني في الطلقة الثانية، حيث إن الطلقة الأولى، والثالثة أجزم أنهما طلقتان صحيحتان، رغم أنني كنت في حالة غضب شديد جدا في كلتا الطلقتين. لكن بالنسبة للثانية التي أشك فيها، فالأمر يختلف حيث إن ظروف، ومكان التطليق مختلف جدا.
نشب خلاف بيني وبين زوجتي عندما كنا في زيارة لبيت عائلتي، وقررنا المبيت عندهم. بعد تناول وجبة العشاء في بيت العائلة الذي يتكون من ثلاثة طوابق, صعدنا إلى الطابق العلوي الذي به ثلاث غرف, في إحداها تتواجد أختي، وفي الأخرى أنا وزوجتي. بعدما أغلقنا علينا باب الغرفة بدأ الشجار بيننا حول موضوع لا أتذكر تفاصيله جيدا. بدأت زوجتي بالضغط علي لكي أطلقها فورا، وبدأت تردد، وتردد بلا توقف عبارات مثل "إذا كنت رجلا طلقني حالا" ثم أخذت بشتمي، واستفزازي بوسائل عديدة لا تحتمل, منها أنني حين تعبت من الجدال معها، أطفأت الأنوار وقمت بالاستلقاء للنوم، فكانت تشعل الأنوار كلما أطفأتها، وتأتي فتزيل الغطاء عني، ثم تسحبني بقوة، وتدفعني لكي تسقطني من فوق السرير. وهذا العمل تقوم به عشرات المرات، وتقول في كل مرة "والله لن أدعك تنام هذه الليلة حتى تطلقني فورا".
ما كان يهمني كثيرا في تلك الليلة، وكنت مركزا عليه أمران اثنان:
أولا: لا أريد أن تسمع أختي التي تتواجد في الغرفة الأخرى كلامنا، رغم أن صوت زوجتي كان مرتفعا نسبيا, فكنت أطلب منها مرارا وتكرارا أن تخفض صوتها حتى لا يفتضح أمرنا في بيت عائلتي.
والأمر الثاني: هو أنني كنت حريصا أشد الحرص بيني وبين نفسي، على ألا أتلفظ بكلمة الطلاق، رغم الضغط، والاستفزاز من طرف زوجتي حفاظا على زواجنا؛ ولأنه لم يمر أكثر من شهرين على أول طلقة؛ لذلك كنت أنبه نفسي داخليا في ذلك الوقت ألا أقول أنت طالق مهما كلف الأمر.
المهم استمر الشجار والضغط لكي أطلق حوالي خمس ساعات تقريبا. منذ أن صعدنا إلى الغرفة في الساعة الحادية عشرة، إلى حوالي الساعة الرابعة صباحا. في تلك الساعة المتأخرة من الليل دب التعب إلينا نحن الاثنان، ووافقت زوجتي على إطفاء النور، لكنها استمرت بالشجار والتأكيد على أن أتلفظ بكلمة الطلاق حالا. حينها كنت مستلقيا، ومتعبا جدا من الشجار، ومن عدم النوم، ولم أستطع تحمل المزيد من الاستفزازات وانهرت بالبكاء الشديد. فلما سمعتني أبكي، قالت لي: لماذا تبكي الآن، طلقني، وسنرتاح نحن الاثنان. فأجبتها على الفور وبدون تفكير أنت طالق! وكانت تلك آخر كلمة لي ولها في تلك الليلة.
بعد ذلك حدثت تطورات، وقمت بإرجاعها إلى عصمتي بعد يومين (لم نقم بتوثيق أي طلقة في المحكمة). بعد أيام قليلة عن تلك الليلة وبعدما هدأت الأمور, أخبرتها أني لم أكن أنوي أن أطلقها تلك الليلة، وأني لا أدري كيف خرجت من فمي كلمة أنت طالق في تلك اللحظة؛ لذلك فأنا لا أعتبرها طلقة صحيحة. لكنها لم توافقني الرأي ذلك اليوم، وقالت طالما أنت قلتها فهي طلقة، ويجب أن نحتسبها الثانية, فوافقتها على الأمر رغم أني لم أكن مقتنعا أنها طلقة.
ما سردته الآن وقع قبل حوالي ثلاث سنوات ونصف. لكن قبل شهرين، وبعد خلافات طويلة دامت أشهرا، قلت لها أنت طالق للمرة الثالثة. تدخل بعض الأطراف للصلح، فكانت هي تخبرهم في كل مرة أنها الطلقة الثانية وليست الثالثة. بدوري كنت أفعل نفس الشيء، لكني أذكر لمحدثي أني نطقت من قبل بكلمة الطلاق مرتين، قبل هذه المرة، لكن الثانية غير صحيحة. في ذلك اليوم وبعدما ملت إلى الصلح نوعا ما، قمت بالبحث المطول في المواقع المعروفة بالفتاوى، ووجدت آراء للعلماء يتحدثون عن أنواع الغضب، ويقولون إن الطلاق في الغضب لا يحصل عند الغضب الشديد جدا الذي يغلق عليك عقلك, وكذلك عند الغضب الشديد جدا مع عدم انغلاق العقل. على هذا القياس قمت بإرجاعها إلى عصمتي باعتبار الطلقة الثانية غير صحيحة.
لكن بعد مرور بضعة أسابيع على إرجاعي لها، بدأ ينتابني وسواس كل يوم تقريبا، أفكر أنه ربما تكون الطلقة الثانية صحيحة، وأنني أعصي الله وأعيش مع هذه المرأة في الحرام, وأني يجب أن أطلق طلاقا نهائيا في المحكمة، أفضل من أن أظل في الشك، والشبهة، والتفكير كل يوم أني سأعيش بقية حياتي في معصية.
أفيدونا جزاكم الله خيرا هل الطلقة الثانية (كما وصفتها) تعتبر صحيحة؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالتلفظ بالطلاق حال الغضب ليس بمانع من نفوذ الطلاق، إلا إذا بلغ الغضب حداً سلب صاحبه الإدراك، وغلب على عقله؛ وانظر الفتوى رقم: 98385
وعليه، فإن كنت تلفظت بالطلاق في المرة الثانية، مدركا لما تقول، غير مغلوب على عقلك –كما هو الظاهر من سؤالك- فطلاقك نافذ؛ وعليه فتكون بالطلقة الأخيرة قد استكملت ثلاث تطليقات، وبانت منك زوجتك بينونة كبرى، ولا تملك رجعتها إلا إذا تزوجت زوجاً غيرك -زواج رغبة لا زواج تحليل- ويدخل بها الزوج الجديد ثم يطلقها، أو يموت عنها، وتنقضي عدتها منه.
والذي ننصحك به أن تعرض مسألتك على من تمكنك مشافهته من أهل العلم الموثوق بعلمهم ودينهم، وتعمل بما يفتونك به.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني