الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا بأس بدفع مال لاتقاء الظلم والضرر

السؤال

بارك الله فيكم، وفي موقعكم.
أسكن في بلد مسلم، ولكنه يحكّم القوانين الوضعية، ولقد اشتريت شاحنة من بلد أوروبي، وأتيت بها إلى بلدي هنا. ثم اكتشفت أني في نظرهم قد خالفت القوانين بحيث تأخرت عن الدخول بالشاحنة لمدة ثلاثة أيام، علمًا بأنني استفسرت عن هذا الأمر بالذات قبل ذهابي لأوروبا، وأخبرني موظف في الديوانة (الجمارك) أنه لا بأس بالدخول في الأجل الذي دخلت فيه.
في آخر الأمر رفضوا أن ينجزوا لي أوراق الشاحنة، وحاولت ما في وُسعي بطرق عديدة أن أقوم بتسوية وضع الشاحنة, خسرت من الوقت، ومن المال، والجهد والتعب النفسي الكثير من أجل ذلك. لكن دون فائدة. عُرض علي في عدة مرات أن أدفع رشاوى، لكني لم أقبل. والآن ليس لي من خيار غير أن أرجع الشاحنة لأوروبا، وأخسر خسائر مادية أخرى، ثم أحاول أن أبيعها هنالك، والأمر ليس مضمونا أيضا. وفي كل الأحوال حتى في مسألة إرجاعها أيضا سأضطر لمخالفة القانون؛ لأنه لا حلّ لي غير ذلك.
اقترح علي بعض الأشخاص أن أدفع لهم مبالغ معينة، وأعطيهم الشاحنة، ويسوون لي وضعيتي، ويقولون لي لا دخل لك هل سندفع رشاوى أم لا, وأنا على يقين أنهم سيدفعون رشاوى, فكأنما أنا الذي سيدفع الرشوة بشكل غير مباشر لتسوية أوراقي، ولأعمل على الشاحنة.
فهل يجوز لي ذلك أم ذلك؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالأصل في الرشوة أنها محرمة، بل لعن فاعلها على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي. رواه أحمد وأبو داود وهو عند الترمذي بزيادة: في الحكم. وقال:حديث حسن صحيح. وفي رواية: والرائش. وهو الساعي بينهما. وقال تعالى: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ {المائدة:42}. قال الحسن، وسعيد بن جبير هو: الرشوة. وقال تعالى: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ {البقرة:188}. لكن هذا في الرشوة التي يتوصل بها صاحبها إلى ما ليس له، فيبطل بها حقا، أو يحق بها باطلا. وأما الرشوة التي يتوصل بها المرء إلى حقه، أو لدفع ظلم عنه أو ضرر، فإنها جائزة عند الجمهور، ويكون الإثم فيها على المرتشي دون الراشي.
قال ابن الأثير: فأما ما يُعطى توصلاً إلى أخذ حق، أو دفع ظلم فغير داخل فيه. روي أن ابن مسعود أُخذ بأرض الحبشة في شيء، فأعطى دينارين حتى خُلي سبيله، ورُوي عن جماعة من أئمة التابعين أنهم قالوا: لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله، إذا خاف الظلم. انتهى.
وعليه، فإذا اضطررت لدفع مال تتقي به الظلم والضرر، فلا بأس بالدفع مباشرة أو بوساطة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني