الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من مات وقد نذر ذبح شياه ولا يعلم الورثة عددها، وحكم إعطاء أولاده منها

السؤال

نذرت أمي أكثر من مرة ذبح شاة وتوزيعها للمحتاجين، وقد توفيت رحمها الله، وأنا أرغب في الوفاء بنذرها؛ بذبح عشر ذبائح في فترات متفرقة حسب استطاعتي؛ لأقضي نذرها ؛ لأنني لا أعلم كم مرة بالضبط نذرت. فهل هذا جائز؟ وهل يجوز أن أعطي منها إخواني إن كانوا معسرين؟ علما بأنها كانت قد أوصتني قبل وفاتها بقضاء نذرها وديونها، وبعض الديون لم أجد أصحابها. فكيف أوفيها؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كانت أمك تركت مالا فإن ما عليها من النذور والديون يخرج من تركتها قبل قسمتها على الورثة؛ لأن ذلك من جملة الديون المقدمة على الوصية وعلى حق الورثة. وإذا تبرعت أنت أو غيرك بذلك فقد أحسنتم. قال ابن قدامة في المغني: من نذر حجا أو صياما أو صدقة أو عتقا أو اعتكافا أو صلاة أو غيره من الطاعات، ومات قبل فعله، فعله الولي عنه. اهـ. وقال ابن رجب في القواعد: الحقوق التي هي على الموروث، فإذا كانت لازمة قام الوارث مقامه، فيقام الوارث مقامه في إيفائها. وإن كانت جائزة فإن بطلت بالموت فلا كلام، وإن لم تبطل بالموت فالوارث قائم مقامه في إمضائها وردها. ويتخرج على ذلك مسائل: ـ منها : إذا مات وعليه ديون أو أوصى بوصايا فللورثة تنفيذها إذا لم يعين وصيا . ـ ومنها : إذا مات وعليه عبادة واجبة تفعل عنه بعد موته، كالحج والمنذورات، فإن الورثة يفعلونها عنه، ويجب عليهم بذلك إن كان له مال وإلا فلا . اهـ. وانظري الفتوى رقم: 24584.
وإن كنتم لا تعلمون عدد الشياة التي نذرتها الأم، وكان يغلب على ظنكم أن ذبح عشر شياه يفي بجميع ما نذرت، فهذا يجزئكم؛ فإن المظنة تنزل منزلة المئنة حين تعذرها.

وقد سئلت اللجنة الدائمة عن رجل نسي كم نذر أن يصوم، فقالت: يصوم ما غلب على ظنه من عدد أيام النذر، ولا يلزم بصوم ما شك فيه. اهـ. وراجعي للفائدة الفتويين: 237346، 28650.

وأما إعطاء إخوانك المعسرين من الشاة المنذورة، فإن كانوا أشقاء أو لأم، فهم أبناء الناذرة نفسها، وهؤلاء لا يصح إعطاؤهم مما نذرته أمهم للمحتاجين، إلا إن نوت الأم عند عقد النذر أن تعطيهم منها، أو كان العرف عندكم مطردا في إعطاء الأبناء مما نذر للمحتاجين. وأما في غير ذلك فلا يعطى منها إلا المحتاجون الذين تجوز لهم صدقة أمك.

جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: حيث ذكر السائل أنه نذره صدقة فيصرف إلى من يجوز صرف الزكاة إليه من الفقراء ونحوهم، ولا يأكل منه الناذر ولا أحد من أصوله أو فروعه، لأنهم ليسوا من مصارف زكاه ماله، فلا يكونون مصرفاً للمنذور به ... إلا أن تكون هناك نية من الناذر عند عقد النذر أن يأكل هو وأهله منه، أو شرط لفظي أو عرف مطرد في ذلك فيصار إليه. اهـ.
وجاء في (الموسوعة الفقهية): في النذر لا يجوز للناذر الأكل من نذره، لأنه صدقة، ولا يجوز الأكل من الصدقة، وهذا في الجملة، لأن الأضحية المنذورة فيها خلاف على ما سبق بيانه. وكذلك النذر المطلق الذي لم يعين للمساكين - لا بلفظ ولا بنية - يجوز الأكل منه، عند المالكية وبعض الشافعية. اهـ. وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 175575.
وأما أصحاب الديون المجهولون، فإن اجتهدت في الوصول إليهم فلم تتمكني من معرفتهم ويئست من ذلك، فتصدقي بها عنهم، فإن ظهروا بعد ذلك فخيريهم بين إمضاء الصدقة، وبين رد الدين إليهم ويكون أجر الصدقة لك. وانظري الفتوى رقم: 18969.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني